في وعد الانتصار....

Photo

ما أوقع هذه الصورة في النفس....... وقع الخطاب المركز, يهجم على الوعي في لحظة واحدة فيملكه كله و يرغمه على الانقطاع إليه ......

كأن صاحبها اختار لها الأبيض و الأسود, استعارة فنية على التناقض الكامل القائم بين الكائنين: إمرأة و رجل / طفلة و شيخ / ضآلة حجمها و قد تدلت قدماها الصغيرتان من على المقعد فلم تبلغا الأرض و ضخامة جثته و قد رزح بثقله على المقعد إلى أن عجبنا لثبات هذا المقعد و تماسك توازنه بعد / نصاعة بياض فستانها الجميل و دكانة لون ثيابه / .....

كم تبدو ضعيفة هشة هذه الملائكة الشقراء الصغيرة و كم يبدو قويا جبارا هذا الشيخ الطاعن في السن......يجلسان على مقعد حديقة عمومية أو ساحة عامة -مع ما في الساحة العامة من رمزية يصلها بمعنى مطلق الحياة-, كل في طرف, كما هو شأنهم في الحياة: كل في طرف... هي في طرف الحياة الأول, طفولة غضة و هو في طرفها الأخير, شيخوخة بادية في تفاصيله كلها........

زاوية النظر تضع الرآئي أمام "الحقيقة", تحمله على المواجهة و قد التقطت العدسة المشهد في مواجهتهما و التقطت أيضا نظرة يتبادلانها و قد نظر كل منهما إلى وجه الآخر......مواجهتان: يواجه كل منهما الآخر و نواجه نحن مشهدهما متواجهين.............إغراق في الحمل على النظر إلى عين الحقيقة.....أي حقيقة ؟؟؟؟

هذا الإمعان في المواجهة يكشف باطنا في تناقض كامل مع ظاهر الصورة…..ما أقوى هذا الملاك و ما أضعف ذلك الجسم الضخم ……

تسير إلى حياة و اكتمال بنيان تسند رأسها إلى ساعدين موعودين بقدرة آتية, بانية, حمالة أثقال و يسند قامته بعكاز و قد نفذت قوته و ارتعشت يداه و تهاوى تماسكه……….

وراءهما طريق و أمامهما ممشى صغير – رمزان للزمن كونيان- , في الشارع الكبير سيارة تجاوزت مستوى الشيخ و أدارت له ظهرها سائرة

في اتجاه الفتاة, أما عكاز الشيخ فلا يرشحه إلى أكثر من سلك الممر المجانب للطريق الرئيسي, الهامش……..

يستند المقعد إلى شجرة تتوسطهما فاصلة واصلة –رمز كوني ثان- هو الغصن الآيل إلى السقوط و قد أوشك غصن متدل على لمس كتفه و هي الفن الناشئ الموعود, أفلم يدر الشيخ في الصورة وجهه إلى الشمس و استقبلت البنية الشمس فغمرت هذه وجهها ؟…..

تتخذ هذه الصورة الفنية بهذه الرموز الكونية التي تقدها كلها بعدا إنسانيا أكيدا يتجاوز الثقافات المحلية و الأزمنة المحدودة و تضمها كلها في آن معا فتحدث الإنسان كائنا ما كان و في أي زمن كان….

أما أنا فقد اعترضت الصورة أو اعترضتني (لا أدري) صباح يوم من ايام شهر الثورات العربية فترجمتها نفسي خطابا مشتقا من مشهد الثورات العربية و قد ملك علي نفسي و استنفذ أعصابي نزيف الأرواح الشابة الذي لا يطاق……….

أيها الشباب الثائر, هذا الشيخ هو النظام العربي القديم المتهاوي و هذا الملاك هو أنتم……ينظر إليكم متعجبا من وجودكم إذ لم يفطن إليه يوما قبل اليوم و قد غلب عليه عمى البصيرة: "من هذه ؟ و ماذا تفعل بمفردها في هذه الساحة العامة" ؟ و تنظر إليه متأملة "إلى متى سيواصل هذا الشيخ التجذيف ضد الزمن ؟ أنا الآتي أيها الشيخ………." ….

الانتصار قدركم أيها الشباب……….إنه وعد الحياة……..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات