وَآه من يوم توزيع "الكرني"1 ..
إنه يوم مشهود، لطالما انتظرته بتوجس وخوف.. لطالما تمنيت ألا تشرق شمسه.. لطالما تمنيت أن تقوم القيامة قبل أن أعيش لحظة مناداة "سي محجوب" علينا واحدا واحدا، معلنا عن الترتيب والملاحظة..
- نعيمة: جيتي خمستاش على أربعين، صحّيتي، أَمَا ابذل مجهود أكثر في العربية.. الجوادي جيت خمسة وثلاثين من أربعين وضعيف برشة في السّوري 2..
وأسمع ضحكتها المكتومة بنت الحرام، فيرتفع ضغطي، ويركبني "الغزول" وأشعر بالقهر، وأتمنّى لو أطرحها أرضا وأمزق كرنيها وكراساتها وبنوارها القزوردي، ولكن، بنت الحرام، تسبقني للدُوّار، لاتلوي على شيء وهي تلوح بكرنيها وتعلم كل من يعترض سبيلها ب"أنّ الطيب ولد عمي جاء لخراني ونا جيت قبلو ببرشة" و"الطيب ولد عمي طلع بهيم في الحساب وما باهي كان في العربي!"..
وأحاول اللّحاق بها حتى لا تفضحني في كل الدوار، ولكن دون جدوى!! فقد دخلتْ على هنيّة وأعلمتها بترتيبي المخجل، وأكدت لها أن سيدي محجوب معلّم العربية متاع السيزيام قال: "الجوادي بهيم في القراية، وما يعرفش يحل تمارين "الكالكيل"3 ، وتندب هنية حظّها، وتستقبلني بالشلاكة4 "بوصبع" وهي تلعنني بكل ما تحفظ من عبارات السباب والشتيمة المتداولة في ريفنا الكافي5 البعيد:
- يا ولد الحرام ، جيت لخراني؟ والله إلا ماتطلع سارح كي المنصف ولد عمك!
- يمّة ما جيتش لخراني ، بعدي خمسة تلامذة!
وتطلق نعيمة ضحكة مجلجلة وتتحداني أمام هنية:
- ڤلها على اعداد الحساب والسوري والاملاء؟ جايب فيهم عداد خايبة! نايا سيدي ڤلّي أنت باهية في القراية، وتفهم خير من ولد عمك، وانتي باش تنجحي وهو باش يكرّك6 !
وتثور ثائرتي وأتحداها أن تحلف برجال حمادة أن المعلم قال لها فعلا الكلام الذي ادّعته، وأترجّى هنيّة أن تصدّقني:
- والله يمّة تكذب، المعلم ما ڤالش لي باش تكرّك، وأنخرط في بكاء مرّ، فتقترب منّي نعيمة، وتمسك بيدي وتأخذني خارج الغرفة وتحتضنني وتمسح دموعي :
- مَاو نحبّك تقرأ على روحك وتنجح، وتبعد على اللعب والبلادة، تي نا، ماني نلوّج على مصلحتك، وتقترب مني أكثر، فأتلمسها بخفة من خلال بنوارها القَزْوَردي الذي تلبسه على اللحم فتصرخ في وجهي:
- ريت علاش سيدي ڤال أنت باش تكرّك، عرفت توَّا علاش بهيم في الحساب والإملاء؟ لخاطر تعمل معاي في الحرام، وأنا ندْعي عليك، وربي يولي يبهّمك!!
ولا أبالي بتأويلاتها العبقرية وأحاول احتضانها فتفرّ من أمامي وتشكوني لهنيّة:
- يمة هنية، الطيّب ولدك ضعيف في القراية، وبليد، كان يسيّب البلادة، يولّي ذكي ويولّي باهي في القراية كيفي..
وكما هي عادتها في كل مرّة، تنحاز هنيّة لوجهة نظر نعيمة، الله لا تربّحها، وترميني بشلاكتها البلاستيك بوصبع، وهي تدعو أولياء الله الصالحين أن يعرقبوني باش يرتّحوها منّي فرد مرّة!
وتهمس لي نعيمة مهدّدة:
- كان تتبولد المرّة الجاية نڤلّها على الملاحظة اللي كتبها لك سيدي متاع السُّورِي!
- لا لا! ترجّوتها بإلحاح، ولا غرو، فقد كانت ملاحظة معلّم الفرنسية، التي زلزلت ثقتي بنفسي سنوات طويلة هي:
NUL
1 دفتر الأعداد
2 أي في مادة الفرنسيّة
3 أي الحساب
4 الشبشب
5 نسبة إلى جهة الكاف من شمال غرب تونس
6 أي يرسب