حدثنا العلاّمة جوادي قال:
سألت المنصف ولد عمـي يوما، وكنا في جلسة رائقة، رفقة حماره الأشهب: ما أغرب ما مرّ بك من عجائب بهيمك هذا؟ فضحك، رضي الله عنه، حتى بانت نواجذه وقال: شربنا يوما بظاهر المدينة حتى تعتعنا السّكر، وخِلنا الديك ثورا، فذكر الأشهب أتانا كان يهيم بها، وذكرتُ بدوري جارية كنت أشبّب بها، فبكينا ساعة واستحضرت أبيات من شعر الإنس واستحضر هو أبيات من شعر الحمير، ومازلنا على تلك الحال حتى حلّ الظلام فنمنا حيث نحن.. فوالله ما استفقنا إلا على صوت منادٍ يقول: قامت ثورةٌ في افريقية، فادركوا القوم حتى لا تفوتكم الغنيمة..
فركبت الأشهب ودخلت المدينة، فوجدت صبيانا يصرخون وينطّون، فصرخنا ونططنا معهم، ورأينا أقواما ينهبون فنهبنا معهم ما تيسر، ورأينا أقواما آخرين يرفعون رايات وشعارات فرفعنا معهم ما رفعوا، وننطقنا بما نطقوا.. ووالله إنْ هي ساعة حتى أدخلونا دار الحاكم فإذا رجال ونساء وإذا أوراق مبسوطة وموائد ممدودة وصحافيون بصوّرون وينعتون الأشهب بالثائر الاكبر، وإذا به يُقلَّد وساما ويُنادى عليه بأرفع الألقاب.. فما خرجنا من دار الحاكم إلا وبهيمي غدا بقدرة قادرٍ: الإمام البرذوني، مخلّص البلاد والعباد..
قال المنصف ولد عمي: وكان ذلك أغرب ما حصل لي مع الأشهب..