فاجئني محدثي بهذا التساؤل الغريب وهو يحاول اقناعي بأن الهستيريا التي يعيشها المدافعون عن نظام الانقلاب ادت تداعياتها الى ما نحن فيه اليوم في تونس. تساءل بحرقة هل وصل بنا نظام ما بعد الثورة والدستور والمؤسسات الى تفكك الدولة وانحصارها وتراجعها أمام منظومة الظلم والفساد والتهريب والإرهاب ؟ هل فقدنا قدرتها على احقاق الحق والعدل؟ لماذا يصر البعض على تجاهل الدستور والقانون ؟ اذا ما الفرق بيننا وبين نظام الانقلاب الذي اصدر حكما بالمؤبد على أكثر من 100 متهما في القضية التي حملت رقم 280 لعام 2014 كان من بينهم الطفل أحمد منصور قرني الذي يبلغ من العمر 3 سنوات ونصف والذي كان عمره عند حدوث الواقعة 18 شهرا ؟ أليس لدينا مشاكل في مجالات السيادة الوطنية وفي الاقتصاد والتعليم والصحة والأمن والقضاء والأعلام والبيئة والثقافة .... تماما كما لديهم؟
أسئلة كثيرة ولكن أكتفي هنا بالإشارة الى قضية الحال ولن أقارن بين وضعنا وما يعيشه أشقاؤنا الذين هم وحدهم يعلمون كيف ومتى يتصرفون وبأي أدوات ولكن المقارنة لا تجوز وربما نفرد لها مقال لاحقا. اما بالرجوع الى موضوع حاوية أسلحة (رواية الديوانة /ممثلة الدولة) أو لعب أطفال (القضاء/ممثل الدولة) فالأمر يتعلق بملف أمني و قضائي و يصعب استثناء "كبار ألمهربين" من عملية كهذه.
وجب فتح تحقيق في الأتي كيف تتحول "ترسانة" أسلحة خطيرة ضبطتها الديوانة وأعلن عنها المدير العام بنفسه واعتبرها عملية نوعية الى "حاوية لعب أطفال"؟ أين الخلل؟ لماذا تغيب عقلية المحاسبة مرة أخرى ؟
فان ثبت عدم مهنية أو جدية رجال الديوانة فوجب معاقبتهم عن هذا الفعل الذي تسبب في الأضرار بسمعة البلاد وارباك الشعب وتخويفه فضلا عن الخسائر الكبيرة على مستويات عدة أولها ميزانية الدولة. وجب ايفاء هذه القضية الهامة والخطيرة ما تستحقه من متابعة لأن تبعاتها كبيرة ومتشعبة وكان الأولى أن تعقد جلسة بين الأطراف كافة من ديانة وشرطة فنية ونيابة عمومية وتوضيح ما وقع من لبس وخلط خاصة مع المسارعة باطلاق سراح المواطن البلجيكي المتهم الرئيسي في القضية رغم أن تقرير الشرطة الفنية أكد وجود سلاح ناري عسكري ضمن المحجوز .
ورغم احالة القضية الى النيابة العمومية في نابل لاستكمال التحقيق مع المواطن البلجيكي فان لا شيء يضمن مثوله أمامها وهو الان في حالة سراح. ما نعلمه هو أن المسؤولين من الديوانة لازالوا متمسكون بروايتهم بأن الأسلحة التي تم حجزها لم تكن ألعابا بلاستيكية بل كانت أسلحة حقيقية شملت أجهزة متطورة وأسلحة نارية وخراطيش يحجر توريدها دون إعلام وكان أعلن المدير العام للديوانة بان المواطن البلجيكي أكّد أثناء التحقيق معه بأنّ حيازته لتلك الكمية من السلاح كانت من أجل حماية نفسه وأكدت مصالح الديوانة بأنّ تونس ليست في وضعية من الخطورة لحمل 1000 خرطوشة لحماية النفس.
ولكن مصالح الديوانة أنهت عملها عندما قامت برفع الأمر للقضاء الذي اعتبر أن حاوية الأسلحة التابعة للبلجيكي لم تكن إلا ألعابا وليست أسلحة حقيقية .
القضية لازالت لدى القضاء ووجب التريث ولكن بالتوازي يجب مساءلة أولية لوزيري المالية والعدل وطمأنة الشعب عن أمنه أولا ثم عن الموارد المالية الكبيرة التي تجنيها مصالح الديوانة لفائدة الدولة ثم عن عمل القضاء الذي يجب أن يشعر المواطن بأنه يتعافى لأنه يبقى الملاذ الأخير لكل صاحب حق وطالب عدل.