عن أي حداثة نتحدث ونحن، نخبا (بعضها مختص في الفلسفة والبعض الآخر في القانون الدستوري وفي مختلف العلوم الإنسانية) وفئات شعبية واسعة، حكّاما ومحكومين، لم نتجاوز مرحلة احتقار الدستور ؟
كان من "شعارات" انتفاضة 1864 إيقاف العمل بدستور 1861 الذي ما زال يتردد أنه جاء بضغط أجنبي غربي ولا علاقة له بأي تيار إصلاحي تحديثي في تونس ولا هم يحزنون وكان من قبيل المصادفة أن وافق ذلك "المطلب/الإشاعة"، بالعودة إلى الحكم الفردي المطلق، هوى الباي المستبد الخاملّ و وزيره الأكبر و الأفسد .
كذلك الشأن بالنسبة إلى دستور 2014 أو ما عرف في أوساط الوطنيين السياديين النابهين "بدستور فيلتمان". فقد جاء برأيهم لتفكيك الدولة التونسية، خصوصا وأنه ذهب بمبدأ الفصل بين السلطات، وهو المبدأ الأساسي لأي دستور ديمقراطي حديث، إلى منحاه الأقصى حتى في صلب السلطة التنفيذية ( التي لم يكن هناك في الحقيقة أي داع لتقسيمها بدورها، ليصبح لدينا "نظام بوراسين" نبهنا إلى مخاطره سدى سنة 2011 استئناسا بالرأي الحصيف للمنظر الأول لتفريق السلط جون لوك ).
لماذا نكتب دستورا لن نحترمه ولا أحد يضمن احترامه؟ على غرار ما ارتكبه الأب الحداثي والمثقف المدني و المؤسس لدولة الاستقلال ذات 1975 وما اقترفه خليفته الأقل ثقافة وحداثة ومدنية سنة 2002 وما يأتيه هذه السنة أستاذ القانون الدستوري الخارق للدساتير المقارنة بل الأخرق والحالم بدخول التاريخ العزيز على قلبه في كل خطاب مشرقي/عسكري النزعة والنبرة .
لذلك لن ألوم الكرونيكور الأمني اليوم عندما أعاد اسطوانته التهكمية على فصول الدستور باسم أولوية توفير الخبز والأمن (يسهر على تطبيق القانون لكنه يحتقر القانون الأساسي للدولة المدعو "دستور")… نعم، توفير الخبز لا يتطلب دستورا ولا فوضى حريات ولا برلمانا متشنجا يسيء إلى "صورة تونس"، ولتكن هذه البلاد مدجنة آمنة منتجة ومجلسا صوريا يكون صدى الرئيس/ الملك (لا فرق) و"صندوق بريده" وكفى…
" نرجعو وين كنا"…هذا مربط الفرس وغاية الغايات وخاتمة كل المناورات والتحركات الواعية وغير الواعية : شجرة استبداد فردي تغطي على غابة الفساد وتنشر نسب النموّ العالية وفرحة الحياة … وكفى بذلك حداثة في الفن الرفيع الرقيق (من دون أغاني "راب" لاذعة وإن عرّفت بتونس عالميا كما لم يسمع بها من قبل حتى حسدت من الشباب العربي الغاضب) والفكر النظري المخملي الناعم ونمط العيش المعتدل والتغني بثلاثة آلاف سنة حضارة وبدستور قرطاج الغابر…الخ