طالعتنا قناة الحوار التونسي بتقرير هاو يفتقد الى ادنى مستويات الحرفية مفاده ان قرية في تونس اسمها بلطة يعبد سكانها شجرة معمرة. وقد ساءني التقرير كما ساء كل ابناء الجهة واعتبروه وصما يرقى الى مستوى الجريمة تستوجب التقاضي ضد القناة وتحريفا للحقيقة بما يخدم الاثارة ورفع نسب المشاهدة. وكان التقرير من وحي وثائقيات ناسيونال جيوغرافيك التي تذهب الى الاقاصي وتستثمر في الغرائبية لكن حتى هذه البرامج تسطحب معها خبراءا في التراث والانتروبولوجيا والاثنولوجيا والبيوجغرافيا وغيرها من المعارف لتمحيص الرواية الشفوية والحقيقة العلمية وهذا ما غاب تماما عن التقرير العبثي للقناة.
وجه المغالطة الكبير في التقرير هو الخلط بين الشجرة في حد ذاتها ومقام الولي الصالح المدعو "بنيران" وهي شجرة معمرة لوجودها داخل المقام وليس لان الناس يتبركون بها او يعبدونها كما ورد حرفيا على لسان مقدم التقرير وكرر ذلك لأكثر من مرة. ولم يتورع عن المقارنة مع بعض المجتمعات الاحيائية الهندية. اكتفى بشهادة شفوية منتقاة وباهتة ونسج من خياله سردية كاملة مغالطة ولم يوثق لطقوس التعبد المزعوم ولم يكلف نفسه استشارة الجهة المسؤولة عن حفظ التراث وهو ما يؤكد هنة الهواية في العمل ويطرح بقوة فرضية تعمد المغالطة قصد الاثارة لا غيرها.
وليست ظاهرة مقامات الاولياء بغريبة عن المجال التونسي العام ولا المجال المغاربي كحاضنة تاريخية للتصوف الشعبي. ولا اخال السياسة الثقافية في تونس قد قررت القطع مع ظواهر التصوف ورموزه التاريخية والمجالية بل اجزم بوجود حس عام وطني متصالح مع الظاهرة وبعدها الثقافي والتراثي ووجود سياسة ثقافية وطنية تراثية حافظة.
هي واحدة من الصور النمطية المسيئة والبؤسوية misérabilisme التي تسوقها وسائل الاعلام المرئية عن الشمال الغربي والمقترنة بالجهل والفقر والسذاجة وهي تحجب تماما الثراء المادي التراثي والطبيعي والبشري للجهة وتسوق لفكرة الكسل الجماعي المفسر للفقر وضعف مستويات العيش.
هذه الصور الظالمة والمغالطة تراكم الغبن الجماعي والجهوي وتشجع على التنافر الجهوي وتضرب الوحدة الوطنية في مقتل.
نساند ابناء الجهة في التقاضي ورفع المظلمة الرمزية وندعو الجهات المسؤولة عن تعديل المشهد الاعلامي لتفعيل الاجراءات الرقابية على المحتوى المغالط والمستفز والذي يلاحق الاثارة دون التزام اخلاقي او حرفي. وندعو وزارة الثقافة الى نفض الغبار عن تراث القرية وتثمينه على الاقل بإنشاء متحف وادراج القرية ضمن المسالك السياحية وتثمين المشاهد الغنية وتنشيط الاقتصاد المحلي.