ليس لدى السيد محمد بوحويش المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي وقت لقراءة المجاملات الدولية الرسمية المتأخرة، مثل التي أرسلتها رئاسة الجمهورية التونسية اليوم، لقد كان موقف تونس غامضا وأقرب إلى "حياد الهزيمة" عندما دفع هذا المهندس الشاب (45 عاما) مسبقا ثمن خيارته وهو سفير ليبيا في اليونان التي أطردته بسبب تمسكه بحق بلاده في المياه الإقليمية وفق التقسيم التركي لمّا كان شرق المتوسط مسرح صراع إقليمي بين تركيا من جهة ومصر واليونان وإسرائيل من جهة أخرى وإيطاليا التي تراقب بالذكاء التاريخي وما تحت الأرض لشركة إيني النفطية،
نحن في تونس وقتها، رغم أننا معنيين بمعارك المياه الإقليمية المباشرة، كنا نطبخ الحصى ونسقط على جيران الساس تقسيمنا البيزنطي إلى "حداثيين قوميين ضد الربيع العبري علينا أن ندعمهم وإسلامويين إرهابيين ضدنا علينا أن نضيق عليهم حياتهم ونساعد الشيطان نفسه عليهم"، وهي رؤية مثيرة للاستخفاف وأحيانا الغضب في ليبيا، خصوصا حين نعمل بالوكالة لأحد الحلفين المتصارعين مع أو ضد الثورات العربية. لقد منع بعض قادتنا مرور الدواء المستورد من أوروبا إلى ليبيا عبر التراب التونسي بحجة أنه "قد يذهب إلى مليشيات إسلامية" في ليبيا، الآن حان وقت دفع الفواتير السياسية للغباء.
لقد خرجت مصر من المولد الليبي بلا حمص لأنها راهنت على القضايا والأشخاص الخطأ لأن رهانات الحذاء العسكري في السياسة دائما خاطئة، أما تونس فإنها تخسر لأنها لم تهتم بالصراع أصلا.
الشخصية التنفيذية في ليبيا اليوم: عبد الحميد الدبيبة، مهندس بناء والأهم: مقاول أشغال دولي ثري خصوصا في تركيا حيث له ولأصدقائه حلفاء سياسيون حقيقيون، سليل أغنى عائلات مصراتة وأكثرها نفوذا، ثالث مدينة ليبية، سيدة مثلث التجارة والربط المنفعي بين شرق ليبيا وغربها وجنوبها، وهي من أقرب العائلات الليبية إلى تركيا وإلى التحالف مع الإسلام السياسي الذي يعني في ليبيا "التقاليد البدوية القبلية المحافظة" أكثر مما يتوهم "اليعاقبة التونسيون"، ورثة العلمانية الفرنسية، الذي يعتبرون الدين شرّا اجتماعيا في السياسة، مقابل الأتراك الذين تبدو أمامهم ليبيا الآن أرضا مباركة حرثوها وسمدوها وتحملوا اضطراباتها حين هربنا منها نحن وضيقنا على الكثير من قادتها لمحاربة الإسلام السياسي بالوكالة عن الآخرين.
يملك كلا الرجلين أقل من عشرة أشهر قبل الانتخابات إذا وفت بوعودها، لكنها فترة محورية لأنها ستشهد ترتيب الوضع على الأرض وتقسيم الثروة والسلطة، حيث تغيرت ليبيا التي نعرفها في التسعينات كثيرا، وحيث لم يبق لنا سوى "العلاقات الاجتماعية بين الجنوب التونسي والغرب الليبي"، ليس لأن لأن كبار المقاولين هم الذين يقررون، بل لأن الليبيين يموتون ضحكا كلما أجروا مقارنة بين العروض التركية والعلاقة مع تونس التي يعتبر بعض سياسيينا أنها حديقة خلفية يمكن الذهاب إليها في أي وقت بعد بعض السهرات الشيقة في شقق حي النصر، إذ رغم عنصري التاريخ والجغرافيا، فنحن سنعود، في أفضل الحالات، إلى سنوات السبعين من القرن الماضي، عندما كانت الحدود سائبة، وكان بعض التونسيين "جلابة" يد عاملة أمية بسيطة إلى ليبيا، فيما يذهب الأمريكون والفرنسيون غير اليعاقبة إلى إسطنبول بحثا عن معارف تركية في السوق الليبية.