منذ أيّام كتبت تدوينة عن مسيرة يوم السّبت التي وقع فيها تحشيد ما يسمّى بمجتمع الميم قبالة رجال الأمن وما صدر عنهم من استفزاز للأمنيين باستعمال المعجم الجنسي ، وممّا لفت الانتباه وكان موضوع التّدوينة هو استعمال مثليين لتوصيف المثليّة كسبّة ومعرّة ممّا يحيل على التباس الوعي بالهويّة الجنسيّة واضطراب الشخصيّة …
على خلفيّة هذه التّدوينة خاطبني أحد من قدّم نفسه بصفة الكُوَيرِيّ ليناقشني في مضمون التّدوينة متبرّئا من هؤلاء باعتبارهم لا يمثّلون مجتمع الميم الحقيقي وأنّهم مازالوا في حالة عبور جندري …
ثمّ عرّج النّقاش على معنى الكويريّة وهي نقل حرفيّ للعبارة الانجليزيّة queer حيث اعتبر مخاطبي أنّها حالة من المرونة والسيولة الجندريّة التي ترفض التنميط الغيري والمثلي … هي هويّة عابرة للجنادر أي " أصناف الجندر المعترف بها في مجتمع الميم : مثلي / متحوّل /مزدوج " واعتبرها ثورة على هذه التّصنيفات السّلطويّة التي تريد حصر الذّوات المتحرّرة في هويّات متحدّدة مغلقة …
سألته عن التجسّد العملي للكويريّة المتحرّرة من التنميط فأجاب هي شاملة عابرة للهويّات الجنسيّة ويمكن أن تحتويها جميعا، يعني يمكن أن تكون في الصّباح غيريّا أو مزدوجا وفي المساء مثليّا سالبا أو موجبا وفي الليل في وضعيّة " بارتوز " حميميّ احتفاليّ متعدّد الهويّات…
سألته في ظلّ كلّ هذه السيولة والمرونة الجندريّة هل يقبل بتعدّد الزّوجات أو الزّواج العرفي فأجاب في لمح البصر هذا سلوك باترياركيّ رجعيّ متخلّف يكرّس استعباد المرأة واستخدامها كأداة للتناسل والتّكاثر الذي يقويّ اليمين الرّجعي …
مخاطبي الكويريّ المدافع عن السّيولة والمرونة الجندريّة وكلّ أشكال العلاقات المتخيّلة لم يجد للتعدّد والزّواج العرفي مكانا في القائمة الطّويلة للهويّات المركّبة والمعقّدة للعلاقات الحميميّة الفرديّة والثّنائيّة والجماعيّة بكلّ أشكالها وتنويعاتها وتلويناتها وتقليعاتها المستنسخة من أدبيّات وافدة …
الكويريّون أو مجتمع الميم الجديد يراد له منذ فترة أن يكون جزء من النّسيج السياسي الجذري المعارض لا فقط لمنظومة الحكم بل كذلك للمنظومة الثقافيّة والرّمزيّة والسلوكية والعلائقية التي تعبّر عن الضّمير العامّ للمجتمع التّونسي …
لن نتحدّث عن التّمويلات الأجنبيّة للّوبي المثلي الصّهيوني العالمي " التّقاطع بين العديد من اللوبيات المثليّة العالميّة ولوبيّات الصّهيونيّة معطى ثابت لا تخمين " … ولن نتحدّث كذلك عن السّعي المحموم لتثبيت هذه الانتظامات الهويّاتيّة المختلقة باعتبارها أقليّات لها الوضع القانوني والحقوقي للأقليّات …
فقط نريد أن نطرح السّؤال عن لجوء اليسار التّونسي إلى الالتحام بمجتمع الميم والكويريين الذي أصبح لافتا في تحرّكاتهم الاحتجاجيّة : هل هو التقاء موضوعيّ أم مجرّد توظيف وركوب للموجة ؟ ألا يزيد ذلك من أزمة اليسار وعزلته اجتمعاعيّا وثقافيّا ؟