ما أقدم عليه قيس سعيد اليوم في حي التضامن من توظيف للفضاء المسجدي لتصفية حساباته كلاميا مع خصومه السياسيين، سابقة خطيرة وضرب مباشر لقاعدة تحييد بيوت الله عن التهارج السياسي والإبقاء عليها رياضا روحية للعبادة وتعميق مشاعر الأخوة الدينية والسلم الأهلي.
كما أن فيه نقل للمعركة السياسية من مستواها الدستوري والقانوني وفق أعراف الدولة ومؤسساتها العليا إلى معركة في قلب الحضور الشعبي والمجتمع الأهلي، بما قد يحولها إلى فتنة عظيمة قد تشتعل بين المواطنين، أنصار قيس سعيد من جهة، وأنصار خصومه السياسيين من جهة ثانية.
فماذا لو تحول المسجد إلى حلبة صراع بين الطرفين وسالت فيه دماؤهما وانتشر الأمر بعد ذلك في سائر البلاد؟!! بل إن الأمر قد حدث فعلا مع أحد المواطنين لما اعترض على سلوك الرئيس هذا وتشنج الطرفان لفظيا، فأوكله قيس سعيد إلى حراسه الذين "فرحوا به" وكادوا يتسببون في كارثة بسبب مرض مزمن يشكو منه المواطن.
ماذا يريد قيس سعيد؟ وإلى أين يريد أن يصل بالبلاد؟ إلى حافة الاحتراب الأهلي؟ إلى تدمير هذه الديمقراطية الناشئة؟! هل أن دور رئيس الجمهورية هو أن يحارب الفساد بالمواعظ والخطب المسجدية، بينما لديه إمكانات الدولة العريضة من أعلى مستوى ليقوم بذلك؟! ما هذه الفوضى وما هذه اللخبطة وما هذه الهيستيريا؟!!
ليقم رئيس الجمهورية بدوره كما حدده له الدستور ووفق أعراف الحكم الرشيد والرصين وأعراف الدولة العادلة المهابة، وليقم القضاء المستقل بدوره، وليقم البرلمان بدوره والحكومة بدورها، في تكامل وظيفي وفي انسجام وتعاون، من أجل خدمة الشعب وتطبيق القانون.
كفانا تهارجا وعبثا. ليرتب الرئيس شؤون قصره ومن يقومون عليه أحسن ترتيب، عوض تركه للعبث والتخلويض والتفليم والتفشليم، وليركز على مهامه التي أوكلها إليه الدستور ليكون بحق حافظا للأمانة ولليمين التي أداها. البلاد والعباد لا يتحملون كل هذا الضغط السلبي ولن يرضوا بأن يزج بهم في أتون معارك الحقد والضغينة وفي المغامرات الشعبوية الفوضوية.