عذرا رولان بارت
من المؤسف حقا ان لم يعد يشغلنا في هذه الايام العصيبة من تاريخ الانتقال التونسي اكثر من حماية المسار و ضمان استمرار الوضع " الموصوف " ديمقراطيا على رأي ساكن قرطاج الذي لا يعجبه الوصف كما هو واضح في كتابه الاخير الى عامله في القصبة .
ان يصبح همنا حماية الديمقراطية التي اقرها دستور 2014 و ضمان التداول السلمي على سلطة بلا مشروع ليس بالأمر الهين في مشهد سياسي امتلأ بلاعبي الصدفة الانتخابية و الموضوعين على ذمة التخريب " الفاشي " من الشعبوية الضحلة و وظيفيي الردة و ترذيل السياسة من " فرارات " سهولة الصعود الى مواقع القرار التشريعي و التنفيذي من نكرات " البدون سيرة سياسية " .
في تونس قوى و شخصيات وطنية و تيارات كبرى راكمت عبر تاريخ طويل مقترحات كبيرة للبلاد و كانت في قلب النقاش مع سلطة الاستبداد على امتداد عقود و كان من المفروض ان تمنحهم الحرية فرصة صراع المقترحات بما يفيد البلاد و العباد و لكن هذه التحولات العاصفة التي رذلت السياسة كفعل وجودي و قيمي عظيم حولت المشهد الى صراع صغير بين صغار بلا تاريخ و لا افكار و انتهت بنا الى وضع عبثي مضحك / مبكي اصبحنا فيه نشعر بالخوف على مصير الديمقراطية و نحس بالخجل من السياسة التي اصبحت وصما يجلب العار لأصحابه .
في كثير من الاحيان اشعر بالقرف و السخافة النابعة من تدخلات الوافدين الجدد على الشأن العام ممن يقررون اليوم مصير البلاد و يناكفون قامات البلاد التاريخية و يعلنون في احيان كثيرة انهم " الجديد " الذي سيتجاوز الطبقة السياسية القديمة و لا نجد في خطاباتهم غير الفراغ و التسطيح و الشعبوية المتنكرة بثورجية مراهقة او طهرية كذابة تتقاطع سريعا مع فاشية حاقدة تستعملهم كأدلة حقيقية على سوء ما انتجته الثورة .
السياسة تاريخ و سيرة ..و زعماؤنا و اساتذتنا الكبار ممن تتلمذنا عليهم في مدارس المعارضة التونسية على امتداد عقود و مهما كانت اخطاؤهم هم شخصيات استثنائية لان اتخاذك منذ عقود لقرار ان تكون معارضا للسلطة في سياق الاستبداد هو قرار انساني و اخلاقي و وجودي كبير و ان تكون تلميذا منذ عقود في مدرسة السياسة عبر ايديولوجيا او مذهب فكري فهذا هو وحده الذي يمنح فعلك في عهد الحرية مضمونا تقدر من خلاله ان تساهم بجدية في جدل البناء الوطني .
ان كثيرا من عبثية هذا المشهد السياسي الكاراكوزي الذي تعيشه البلاد هو في جانب كبير منه نتيجة امتلاء ساحة تقرير مصيرنا بنكرات البدون سيرة الذين صعدتهم الشعبويات البائسة و انتخابات الصدفة و حرية صناعة رموز مرحلة بلا عقل سياسي اصله ثابت في تاريخ المشاريع الكبرى و فروعه في افق التجديد العاقل لا رعونة الفوضويات الخاوية لأنصاف المسيسين في رخاء الثرثرة .