المكتب التنفيذي لاتحاد الشغل ولواحقه في الجهات وفي الإعلام هو المكوّن الوحيد (الظاهر) الذي بقي من نظام بن علي ولم يتبدّل. وتعامل معه كلّ من مرّ بالتسيير من الجبناء وطلاب الغنيمة والمتصالحين مع السيستام والفاسدين ممّن تمّ تفويضهم بالانتخاب الشعبي الحر منذ 2011 كما كانوا يتذلّلون لبن علي ونظامه ويجتهدون في مصالحته قبل الثورة بقليل. ففرض عليهم "النقابة الواحدة" مثلما فرض عليهم بن علي "الحزب الواحد"...وأشياء أخرى.
وما يستوقفني من ألفة الحامدي أنّها الوحيدة التي تصدّت عمليّا (أشدد على عمليّا) لهذا التنظيم ( المكتب التنفيذي) وعبثه بالإدارة والمؤسسة العموميّة واقتصاد البلاد ومعيشة الناس، بقطع النظر عن المنطلق الذي منه واجهت وتصدّت. حتّى لو كانت تابعة للإدارة الأمريكية. ولو صحّ هذا وقد تمّ للاتحاد خلعها فإنّ الأمر يستدعي إعادة نظر في أكثر من مستوى.
ومع ذلك، يستوقفني أكثر ذعر هذا التنظيم، فكلّ تصدٍّ حقيقي يرعبه وإن كان جزئيّا، لذلك يتجنّد خوفا من الأسوأ لأنّه مثل كلّ من أجرم في حقّ البلد وعارض "مبدأ بناء البلد" وركل كلّ "لبنة توضع في مكانها" يخاف مما يمكن أن يصبح عليه التصدّي له ومسار فضحه في المستقبل، ويخشى تطوّر حجم الإدانة وتحميله جانبا غير بسيط من المسؤوليّة عن خراب البلد.
وفي هذا المعنى كان رعبه من روابط حماية الثورة وكان منهم نقابيون يوم التحقوا بساحة محمد علي في الذكرى 60 لاغتيال الشهيد حشّاد (لا يجرؤ المكتب التنفيذي عن المطالبة بالتحقيق في الجريمة رغم اعتراف الجهة الفرنسية بالجريمة).
واكتفوا برفع الشعارات ضدّ المركزيّة النقابيّة وفسادها، ولكنهم جوبهوا بمليشيات المكتب التنفيذي المسلحة بالهراوات وكلّ أدوات العنف والقمع. ولو كانت للروابط نيّة اقتحام مقرّ المركزيّة لفعلت. ولكن كان تحرّكها سياسيّا نقابيا، ولذلك لم تجد اللجنة المكلفة بالتحقيق في الأحداث ما تذكره في تقريرها من دعاوى العنف. فالضحايا كانوا من شباب الروابط ومن الناشطين النقابيين المناهضين للمكتب التنفيذي وسياسته المعادية للثورة والشغيلة...هو رعب ضعيف "عامل عملته مع بن علي" ولكنه يتقاوى ونجح في الإيهام بقوّته.
المكتب التنفيذي للاتحاد ليس جهة نقابيّة، ولا حتّى حزبا تونسيا، هو جزء من استراتيجية قوّة دوليّة في بلادنا إلى جانب مكونات أخرى حزبيّة وظيفيّة وشعبويّة وفاشيّة دورها، في هذه الاستراتيجية منع قيام الشروط السياسيّة والديمقراطيّة التي تسمح بالشروع في بناء بلد مهشّم.
تنظيم المكتب التنفيذي هو المكوّن الذي لم يتغيّر من نظام بن علي وبقي عالقا بمسار بناء الديمقراطيّة يأخذ منه حاجته ولا يتردّد عن المساهمة في كسره. وهو في هذا مثله مثل الفاشيّة المسعورة، قبل أن تلتحق بهما الشعبويّة الضحلة والوظيفيّة الذليلة.
تطوّر الصراع بانكشاف حقيقة الفاعلين فيه وتوضّح هويّاتهم وحجم التحدّيات القادمة وقوّة الرهانات سيكون لجميعها تأثير مباشر يمنع الحصون التقليدية والواجهات النقابيّة والحقوقية والمدنيّة من أن تتمتّع بحصانة سيّارات الإسعاف والفرق الطبيّة والصحافة والإعلام، وهي فرق قتال متخفيّة.