بعض المجاميع الإيديولوجية لم يعد يناسبها "اختبار القوّة" في الشارع، ومع الوقت ستُسقِط هذا الرهان من سياستها، وتستر ما ستر الله. وستضطرّ أمام منسوب الحريّة العالي والحياة الديمقراطية المتجهة إلى الاستقرار ، رغم مظاهر التعثر التي تصل إلى حدّ البلوكاج السياسي، إلى أن تكتفي بدور اللوبيات الصغيرة أو أجيرة عند لوبيات كبيرة (لوبيات السيستام). خاصة وأنّ لبعض هذه المجاميع تجربة معتبرة مع بوليس بن علي السياسي ومنظومة تعذيبه ولجان تفكير تجمّعه.
وأهمّ مهمّة تنهض بها اليوم، بفضل وجودها في مفاصل الإعلام والمنظمات الوطنية، منع رأب الصدع بين المجتمع المدني (المركز) صنيعة دولة الاستبداد والمجتمع الأهلي (الهامش) ضحيتها الأولى. لأنّ لقاءهما سيبني المجتمع التونسي الجديد الموحّد في ظل دولة قادرة على تغطية كلّ مجالها السياسي الاجتماعي ، وذلك هو جوهر المشروع الوطني.
وهذا الدور المعطّل أشدّ وقعا وتأثيرا من دور الشارع. وله تأثير سلبي على مستقبل الديمقراطية والمواطنة السيادية.
وأما شارع المستقبل الذي ستتوضّح معالمه مع استقرار الديمقراطية، بعد مراحل دمّار حقيقي، عند ثلاثة شوارع رئيسية: شارع « الإسلام الديمقراطي » وشارع « الدستوري الديمقراطي » (وهو غير الفاشيّة) وشارع « الاجتماعي الديمقراطي».
الشارعان الأوّل والثاني قائمان، والشارع الثالث مازال مشروعا ومنطقة فراغ سياسي ومرشّح لأن يكون نتيجة تقاطع روافد ثلاثة: كفاحيّة الاتجاه الاسلامي وتنويرية الإسلاميين التقدّميين واجتماعية التيار العروبي والاشتراكي. والاجتماعي الديمقراطي غير التيار الديمقراطي الليبرالي الحالي الذي اختار الوظيفية الذليلة رغم اجتماعيّته المدّعاة.
الشعبوية والفاشية ستَبقيان في كلّ الأحوال ذكرى سيئة في تجربتنا الديمقراطية، وتبقى تعبيرات "الشبيبة المعولمة" علامة ضرورية على تحوّلات سريعة ليس سهلا تمثلها…
بالله أخطونا من التفاؤل والتشاؤم…