حينما بدأت مقاومة عش الدبابير.. ظنت شبكة الفساد والإفساد في البداية أنها أمام مشاكسة لبعض المغامرين يمكن قبرها في الغرف المغلقة مادامت مفاتيح كشف الحقيقة والمحاسبة معطوبة بظنّهم كما ظلت لعقود.. ولكن حينما تبيّن أنها مقاومة انطلقت بإرادة قوية تُخاض في مناخ حرية وفي معركة تحت الأضواء.. تحسّست الشبكة أنها بصدد مقاومة جديّة هذه المرة..
رضخت للتضحية ببعض عناصرها حينما وجدت نفسها محاصرة في حركة لذرّ الرماد على الأعين وللتغطية على من هم أعلى درجة في الشبكة السرطانية (تقرير التفقد الأول الذي غطّى على رئيس محكمة التعقيب).. ولكن حينما تواصل مسار كشف الحقيقة والدفع نحو المساءلة لأقصاه، حرّكت الشبكة "أدواتها" داخل المجلس الأعلى للقضاء وخارجه وظنت بعد الحركة القضائية الأخيرة أن الموضوع "تحت السيطرة".
غير أن جلسة 12 نوفمبر 2020 (في البرلمان) جعلت المجلس الأعلى للقضاء "مورّط" في الملف أمام الرأي العام.. كما استمر حراك مقاومة عش الدبابير بخطى ثابتة.. تحسّس الرئيس الأول لمحكمة التعقيب وقتها رأسه محرّكا كل وسائله غير الشرعية مستعرضا نفسه أمام الإعلام في مشهد سخيف ولكن تواصل المسار تحت الرقابة الشعبية إلى غاية فتح البحث التحقيقي ضده من أجل جرائم الارتشاء والتدليس وتبييض الأموال..
أما تقرير التفقدية فطالت غيبته حتى ظُن أنه ضاع كما مؤيدات بعض الملفات بين المحاكم.. واستعصم ذلك الدبور برئاسة المحكمة.. ويصدّر لشبكته أن سقوطه سيكون مكلفا وسيشمل سقوط بقية الدبابير المتورطة معه.. رئاسة المحكمة هي آخر حبل متشبث به.. مجلس القضاء العدلي مخترق من هذه الشبكة الممتدة في كل مكونات العائلة القضائية الموسعة.
بقاء الطيب راشد رئيسا لمحكمة القانون إلى حد الآن فضيحة مسؤول عليها مجلس القضاء العدلي.. وازدراء لرسالة القضاء السامية.. وطعن في ثقة المواطن في السلطة القضائية أمام رئيس المحكمة العليا للقضاء العدلي المُلاحق بتهم تمسّ من شرفه وذمّته.. وهو إهانة أيضا لشرفاء العائلة القضائية الموسعة.. والتثبيت في رئاسة محكمة التعقيب هو أساسا تواطؤ لا ريب فيه مع عش الدبابير.
شبكة الفساد السرطانية الممتدة في كل مكونات العائلة القضائية الموسعة.. وهي كالسرطان في جسد العدالة في البلاد.. جنّدت كل أدواتها لتحصين نفسها.. سقوط الطيب هو البداية وليس النهاية لكشف الشبكة.. واليوم على كل طرف تحمل مسؤوليته (المجلس الأعلى للقضاء والهياكل القضائية التمثيلية والهيئة الوطنية للمحامين والبرلمان ورئاسة الجمهورية، كل باسم مبادئ الدستور في أدنى اعتبار وفي إطار صلاحياته).. تحمّل المسؤولية قبل أن تتحول المحاسبة لتشمل كل متستّر مهما كان شكل التستّر!
نحن أمام أكبر قضية فساد قضائي في تاريخ البلاد.. وهي اليوم أم القضايا.. إما العدالة أو اللاعدالة.. إما نحن وإما هم.. الحراك اليوم مستمرّ من أجل الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة دون تجزئة لها.. ومن أجل محاسبة كل متورّط في شبكة الفساد "دون استثناء".. المسار عسير وطويل وهذا منتظر منذ البداية، ولكن بقدر ما ستقاتل الشبكة الفاسدة لتحصين نفسها، ستتواصل المقاومة بخطى ثابتة ومسؤولة.. لأن الفساد ليس قدرا في هذه البلاد.