كنّا حذّرنا من اعتبار بلطجة الفاشيّة في أوّل اجتماع لمجلس نواب الشعب في دورته الجديدة منذ سنة ونصف. ونصحنا بأنّ للتصدّي لها رسالتين قويّتين:
ـ كذبة معركتها مع الإخوان وأنّ المستهدف هو الديمقراطيّة ومسارها.
ـ منزلة من يكون في مقدّمة التصدّي لها ومصداقيّة ما سيأتيه من مواقف سياسيّة في كلّ الاتجاهات دفاعا عن الديمقراطيّة بما في ذلك سحب الثقة من رئيس مجلس النواب، وبلورة موقف سياسيّ خارج استقطاب نهضة/تجمّع.
ذلك أنّ سحب الثقة بالذات، في هذا السياق من عربدة الفاشيّة وتعطيلها عمل المجلس وارتباطاتها بالأجندة الإماراتيّة المناهضة لمسار بناء الديمقراطيّة، لن يفهم إلاّ على أنّه تقاطع مع الفاشيّة. وموضوعيّا لا يمكن أن نمنع اللقاء مع الفاشيّة سياسيا.
وقد حدثت مساندة سياسيّة لها من قبل مكونات من الكتلة الديمقراطية (تصريحات النائبة سامية عبّو، رئيس الكتلة الديمقراطيّة) نتيجة خلط متعمّد بين "صراع ديمقراطي" هو جوهر الانتقال وغايته و"صراع ضدّ الديمقراطيّة" تشنّه الفاشيّة والشعبويّة وحاضنتها الوظيفيّة في البرلمان يهدّد المسار وينذر بإجهاضه.
هذه العربدة تتصاعد لتتحوّل إلى شلّ لأعمال اللجان واقتحام مكاتب الإدارة في المجلس وتفتيشها والتعدّي على الموظّفين وإهانتهم على طريقة بوليس بن علي السياسي ومنظومة التعذيب النوفمبريّة.
وللخروج من هذا الاستهداف المهدّد للسياسة والديمقراطية والنشاط العاديّ (ومن نتائجه أننا أصبحنا أمام الأجوار والعالم طوائف سياسيّة متناحرة في أعلى مؤسسات الدولة)، لم يعد يكفي التنديد بعمل الفاشيّة. والحل، مع الإجماع داخل البرلمان على خطرها، أن يُسنّ من القوانين العاجلة التي تمنع تعطيل سير هذه المؤسسة الأصليّة وتجريم العبث بجلساتها وتعطيل مهمّتها والاعتداء على نوّابها، وبحفظ خصوصيّة بعض أنشطتها ومخرجاتها ومنع نقلها على المباشر إلا ما يسمح به نظام المجلس الداخلي.
إذا لم يقم إجماع بين نواب أغلب الكتل على إيقاف عربدة الفاشيّة دفاعا عن الديمقراطيّة فإنّ التجربة مهدّدة بالانهيار القريب ..ولا أفق إلاّ الفوضى/الاحتراب، في سياق يخرج فيه مجالنا وجوارنا بالتحديد من الفوضى إلى استئناف مسار التحوّل إلى الديمقراطيّة وبناء المواطنة الكريمة.