الكلّ يسعى إلى وِجْهَةٌ هو مولّيها حاملا معه آماله وأحلامه ترافقه أوهامه. لُبُّه متعلّق بمستقبل مجهول لا يملكه في حكم الغيب. فهو رحى ومدار خطراته وما ارتسخ بباله وسعت له ناصيته وأقدامه. مستقبل غائب ولخاطره جاذب ولهواه ساحب امّا حاضره فهو سالب لوجوده منتقص من عمره مضيّع أمره. فلا هو انتهز فرصة يومه لهدف غدّه ولا ضَمِنَ غدّه بصلاح يومه.
الكلّ مذبذب بين حاضر مُعاش ومستقبل غير مُتاح. فلا حاضر واعد ولا مستقبل موعود. تاهت أمّة بأكملها في آتون المجهول وضاع جيل بطم طميمه في نفق الظلمات وسرادب المحسوسات والملموسات والمرويّات.
فمن يُحمّل الحاضر مقتضيات شروطه ويرفع تحدّياته بحلّ معادلاته وبتجاوز عقباته وصعوباته ليشرق شمس المستقبل من ظروف الحاضر المُعاش فلا سبات ولا غيبوبة ولا موت الأحياء؟
حتّى يثبت في العقل والوجدان أنّ اليوم إن ضاع دون زرع بذور الإنتاج فلا غدّ يرتجى منه جني ثمار الإنجاز! أمّة أضحت عقيمة الإنتاج لخصوبة إستهلاكها وضمور همّتها وعزيمتها فلا تسمع لها ركزا ولا صولة تُهاب تائهة ضائعة ما لها من قرار.
ذو حظّ عظيم
تتفاوت وتتمايز الذاوت البشريّة معنويا وروحيا بمقدار تجلّي الأنوار الإلهية في مراياها، إذ هي معطى إلاهي من الوهّاب. إنّ الواقع المادّي الدنيوي بظروفه وشروطه الموضوعية قد يُحفّز ويدفع أشخاص دون غيرهم لإبراز مواهبهم وإستخدام أمكانياتهم المعنوية الروحيّة أو تُثبّطُ آخرين وتُعيقهم وتُقعدهم عن العمل الجاد المُجدي فيُحرمون موضوعيا من الإرتقاء والترقّي ذاتيّا والتحقّق موضوعيا.
ولكن ذو الحظّ العظيم تتوفر له شروط موضوعيّة تخدم كسبه المعنوي الغيبي فيجتاز كل المعوقات والعراقيل لتحقّقه بقيمة الصّبر والمغالبة فهو شبيه بأولو العزم من الرسل مقارنة بغيرهم من إخوانهم المرسلين. إن الإمتحان الدنيوي ببلواه وبلائه لكلّ البشر عسير على التجاوز والنجاح، ولكن قلّة قليلة من تتفوّق في مدرسة الحياة وهم الذين فهموا ووعوا التجربة الإنسانية بشمولية أبعادها المادبة والروحيّة َ فقد علموا علم يقين لماذائية الوجود فاستقاموا على الطريقة.
إن الفشل نتيجة لثمرة عمل منقوص غير مكتمل نقيض النجاح والفلاح الناتج عن وعي ذاتي وإدراك لفقه الواقع وأحوال المنازلات. فهل خَبِر من لم تواتيه ظروفه ليحقق ما يصبو ويطمح إليه عن مكامن الخلل والعلل ؟أو أنه تجاهل شروط وأسباب النجاح مغلِّبا هواه ووهمه على حكمته ورشده وعزمه لمقارعة الصعوبات!!
إن الموازنة بين الكفايات والإمكانيات والإستعدادات المعنوية الذاتية والشروط الموضوعية المادية توفيق من الله عز وجل للإبحار في دنيا تتلاطمها أمواج مادية من محسوسات وملموسات ومرويات ومرئيات تفقد الشْاخص بصيرته والطامع زهده والرّاغب ورعه والحريص مروئته فلا ينجو منها إلا السّابح المحمود الشجاع المقارع ذو الحظّ العظيم. (وما يُلقّاه إلا الذين صبروا وما يُلقّاها إلا ذو حظٍ عظيم. )
إن التحقق والنجاح والإنجاز يكون في دنيا البلاء ببعديها الظاهر والباطن المادي والمعنوي، فمن فقد بوصلة الإتجاه تاه في غشاوة ظاهر غرّتها وضاع عن باطن عبرتها فلم ينتهز فرصة دنياه لتحقيق الهدف من وجوده الظرفي الآني لكي يتّصل بأبديّة وجوده السرمدي الأبدي لأنه ( ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله إنقطع وأنفصل).
فمن صهر ماديته في معنويته وإستثمر واستغل مادية وجوده لصالح معانيها وقِّيمها السليمة فَقَدْ عبر جسر دنياه بمحامل روحية معنوية متعالية وضمن البُشْرى والسعادة.