لاحظ عديد المواطنين أن قيس سعيد رئيس الجمهورية خلافا لمن سبقه من رؤساء الجمهورية لم يحتفل سنتي 2020 و 2021 يوم 20 مارس بعيد الاستقلال الذي هو عيد وطني يجمع مبدئيا كل التونسيين مهما اختلفت توجّهاتهم السياسية .
الرئيس الذي لا يشبه غير نفسه
منذ تولّيه رئاسة الجمهورية وأدائه يوم 23 اكتوبر 2019 اليمين الدستورية لم يشرف قيس سعيد على موكب رسمي للاحتفال بهذا العيد الذي يمثّل استعادة الدولة التونسية لسيادتها بينما كان المحتلّ الفرنسي يسعى جاهدا إلى جعل تونس فرنسية لغة ودينا ومصيرا.
وممّا يخفّف من صدمة عدم احتفال رئيس الجمهورية بعيد الاستقلال هو احتفال رئيس الحكومة به الذي اكّد ان الواجب تجاه المناضلين هو المحافظة على مكاسب دولة الاستقلال ووحدتها والابتعاد عن ما يفرقنا إلى ما يجمعنا.
ويتجه التذكير على سبيل المثال أن الرئيس السابق الباجي قائد السبسي كان حريصا على الاحتفال بعيد الاستقلال و يشرف بالمناسبة على موكب رسمي يحضره مسؤولو الدولة ويلقي فيهم كلمة يستعرض فيها تاريخ الحركة الوطنية وقد قال في احتفال سنة 2015 :
» نحيي اليوم الذكرى التاسعة والخمسين للاستقلال ونحن نشرع في تركيز مؤسسات الجمهورية الثانية فتونس اليوم لها دستورها التوافقي وقد نظمت انتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة وشفافة كما شكلنا حكومة حظيت بمساندة واسعة لدى مجلس نوّاب الشّعب والأحزاب ومكوّنات المجتمع المدنيّ وهي ستشرع وفقا لأهداف الثورة في إصلاحات جوهريّة تتوّج مسار الانتقال الدّيمقراطيّ ولهذا التزامن دلالات أهمّها أنّ الثّورة الّتي قامت ضدّ الاستبداد والظّلم والحيف هي حلقة مكمّلة لمسار الإصلاح في تاريخنا المعاصر. «
لقد تحدّث الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في كلمته عن تركيز مؤسسات الجمهورية الثانية امّا انتم يا سيادة الرئيس قيس سعيد فرغم انكم دستوريا رئيس كلّ التونسيين فقد افتعلتم أزمة دخلتم من خلالها في خصام ضد قسم كبير من التونسيين وفي يوم عيد الاستقلال دخلتم معركة الشارع حيث نزل انصاركم وتحدّثوا باسم الشعب رغم عدم تفويض المواطنين لهم وطالبوا بتفكيك مؤسسات الدولة فنادوا بحلّ البرلمان ولا يخفى عليكم ان فرضية حلّه المنصوص عليها في الدستور غير متوفّرة في الظرف الحالي و طالبوا باستقالة الحكومة و رئيسها بينما له حزام سياسي برلماني يؤمّنه في عمله و يغنيه مبدئيا حتّى عن التفكير في الاستقالة و شرعتم في عسكرة إدارة الصحة العمومية فالمشاريع التي تعلنون عنها تعهدون بها إلى الصحة العسكرية فكأنّكم تسعون الى تكوين حكومة مستقلّة في عملها عن الحكومة الشرعية التي يرأسها حاليا هشام المشيشي.
يحتفل بالعيد بعد العيد !
استخدمتم المسجد لصراعاتكم السياسية الصغيرة الوهمية . حولتم السجن إلى مكان لتصفية حساباتكم مع القضاء والحكومة . ولان قراراتكم لا تنبع من حكمة وإرادة حرة بل تجي ء للرد على منتقديكم الذين تحولونهم في خطبكم وفي كل مرة الى شياطين وأبالسة تبارزونهم في ساحات الوغى اللفظية و الذين بدأ عددهم يكبر يوما بعد يوم فالكثيرون ممن كانوا يصبرون على الفوضى التي جئتم بها الى مؤسسات الدولة قد بدؤوا ييأسون منكم وأولهم الاتحاد العام التونسي للشغل الذي أهملتم دعوته إلى الحوار فاستعاض عنكم بخصمكم المزعوم ، فقد أردتم اليوم 22 مارس 2021أن تصلحوا بعض خطئكم فحولتم خطابكم الطويل الممزق الأطراف بمناسبة إطلاق أول قمر صناعي تونسي إلى مناسبة متأخرة لتذكر عيد الاستقلال الذي نسيتموه أو بالأحرى تناسيتموه عمدا .
إن الاحتفال بالعيد يا سيدي لا يكون في غير أوانه فلا احتفال قبله ولا احتفال بعده كمن اشترى ثوبا غاليا للعيد فلبسه قبله أو بعده فأساء للعيد وأضاع ثمن اللباس الثمين . يا سيادة الرئيس لا نعلم على وجه التحديد السبب الذي جعلكم تهملون الاحتفال بعيد الاستقلال، ولكننا نعرف أنكم عزلتم تونس عن محيطها بعزوفكم غير المبرر عن تمثيلها في المحافل الدولية .
والآن تريدون عزلها عن تاريخها فلم يبق لديكم غير مهرجانات لغوية ركيكة تتصيدونها أمام محفل صغير من صنعكم لسب الجميع واتهام الكل ظنا منكم أنكم بهذا تصونون صورة مفتعلة للرئيس العادل النزيه النظيف الذي يعيش في صومعة الرهبنة والتعفف غير أن هذه الصورة لن يطول مفعولها المخدر للبعض حين يكتشف الجميع أننا في حاجة إلى رئيس يحمل مشروعا تتجاوز به البلاد مآزقها ومحنها لا رئيسا يتلهى ببراعة لغوية مزيفة لا تتجاوز الملهاة الشفوية تعمق الجراح وتقتات من دماء وطن مريض بزمانه وأهله .