-1- نشر صديق « يساري » (الظفران للتشكيك في صلاحية كلمة « يسار » نفسها لا في نوايا الصديق !) ، نشر على صفحته تدوينة جاء فيها أن ما يجري الآن في تونس « مصيري » وأنه فرصة للدخول في التاريخ… وأترك لكم التخمين في القصد السياسي من كلام عدد كبير من « يساريّينا » ، وفي من هو « البوّاب » (« الحاجب » بالمعنى الخلدوني، وحتى بالمعنى المخزني) الذي سيفتح لنا « باب التاريخ » فيلتقي الشعب التونسي مع القدر. أترك لكم التخمين لأن السياسة تكون بالغمز لا باللمز، كما تعلمون.
2- من أجل الدخول في التاريخ يجب أولا البدء بالخروج منه !
3- للتاريخ معان كثيرة، ومن معانيه السلبية، بعد عصر الثورات في أوروبا، هو ظهور الرومنطيقية التاريخية وما قادت إليه خصوصا في ألمانيا، ثم جمهورية فايمير الليبرالية وحلفاؤها « الأبطال » من الاشتراكيين الديمقراطيين العقلانيين حتى النخاع وما قادت إليه من رومنطيقية « تاريخية » نازية ممزوجة بتقدمية تكنو علمية (الاشتراكيون الوطنيون = الحزب النازي) …
ولسنا في تونس من بعض الجهات بعيدين عما أفرزه تحلّل أو تعفن جمهورية فايمير (وفي أحسن الأحوال عن تعفن برلمان الكارتلات cartels في الجمهورية الفرنسية الرابعة) …مع الفارق الهائل وغير القابل للقياس بين ألمانيا في فترة ما بين الحربين وتونس اليوم، بين ألمانيا المهزومة (خارجيا = الحرب – داخليا : الثورة العمالية الاشتراكية المغدورة)، ألمانيا التي كانت تريد محو الهزيمة وفرض السيادة في العالم، وبين نخب تونسية تسعى باحثة عن سيد يكون «أفضل» من سيد آخر وطالبة رعايته أو طالبة تأبيد حماية صارت مسنونة منذ حوالي قرن ونصف القرن…
جزء من الصراع في تونس صراع من أجل السلطة أو اقتسامها لا غير (لا فرق بين المعسكرين الرئيسيين اجتماعيا واقتصاديا اللهم من حيث المدخل الثقافي الإيديولوجي إلى « الليبرالية التابعة »)، وجزء آخر هو صراع حول الجواب عن السؤال : « من يكون سيّدي المبجل الذي أفضل أن أكون وكيلا عنه؟ فرنسا؟ تركيا؟ أمريكا؟ »…. ومن يريد أن يكون مجرد تابع أو يواصل تبعية سابقة متجددة لن يبحث عن سبل القوة والاستقلال مهما كانا نسبيّينْ، وإنما يبحث فقط عن ترخيص بفتح «متجر إيديولوجي» (نيو لوك) يضع عليه يافطة سيده ميتا كان أو حيّا. صراع الأطراف السياسية التونسية صراع إيديولوجي صرف من أجل الأشباح… فهل هذا هو «الصراع المصيري؟»، مهما يكن الجواب فحذارٍ ، حذار ، فإنما من طبيعة هذه الأشباح أن تكون فتاكة.
4- وحده الاستقلال يصنع الأمم التي تستأهل الحياة على الأرض. ولكن وحدها الأمم الحرة تصنع الاستقلال ولا تساوم حول سيادتها مطلقا إلا مهزومة بالقوة.
5- لكي تستقل يجب أولا أن يكون من طبعك حب الاستقلال ! والمألوف في إفريقية أو من طبعها أنّ الدولة (منذ العهد الحفصي حيث وصل الأمر إلى الاستنجاد بشارلكان لمواجهة خير الدين بربروس !!) – الدولة – لا تفعل شيئا عدا تنويع «القائمة» على مائدة اللئام (أنواع الأسياد الخارجيين والأجانب: النوع العاشب، واللاحم، واللاحم الجارح، الخ… ).
6- وحتى عندما توهمك دولتنا بالاستقلال عن سيد (بصرف النظر عن دلائل شرعيته السياسة أو الدينية مثل العثمانيين) فمن أجل الارتماء في أحضان سيد جديد ومقايضة « تبعية » بأخرى أحق (بما في ذلك البايات الحسينيون ومن اصطنعوه من مماليك ولا يخرج عن ذلك «الصدر الأعظم والمصلح الأكبر»)… ثم الاستعمار ملطفا في شكل حماية، ثم الكفاح الوطني ملطفا في شكل ّ«حقوقي » (نخبوي / «دستوري» محترف)…أما دولة ما بعد الاستعمار فحدث عن تبعيتها وعن ضعفها الدولي ولا حرج عليك.
7- وحتى بعض الوجاهة الدولية التي يتشدق البعض بأن تونس قد حازت عليها أثناء « الحرب الباردة » فنعرف مسبباتها المباشرة، مسببات وسياقات محلية ومغاربية (ثورة التحرير الجزائرية) وعربية (فلسطين، الناصرية في مصر) ودولية (الموقف من حرب فيتنام) …. قد نبرر ذلك بالواقعية السياسية… حسنا! الواقعية كافية. ولكن لِمَ اليوم كل هذا اللف والدوران وتحريك الدمى الإيديولوجية؟
8- السؤال الحقيقي هو التالي : استقلال أم تبعية؟ فأمّا التبعية فلا تعنيني اختيارا. وأما الاستقلال فملازم للحرية وللديمقراطية وللثورة أو لا يكون. والعكس بالعكس: الحرية والديمقراطية والثورة ملازمة للاستقلال وللسيادة (مهما كانت السيادة نسبية في عصر العولمة، ولكنها لا تمس الاستقلال عند العارفين بتدبير الشأن السياسي!). وهو السؤل الذي لا ينطرح إلا ملازما للسؤال الاجتماعي الثقافي الجوهري: كيف ننهض اجتماعيا وثقافيا بالفئات الدنيا وبالجهات المحرومة؟
عدا ذلك نخب زوولوجية تعيش على التقليد والمحاكاة وتمتع النفس بمشاهدة مسرح الظل! ولذا، ورغم الاستعارة الأدبية، فشتان بين تراجيديا بربروس وشارلكان التاريخية وكوميديا النخب التونسية وأشباحها الإيديولوجية اليوم!