واضح من خلال رسالة رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي، أنه سيسعى بكل ما أوتي إلى جعل المحكمة الدستورية في وضعية الاستحالة. وقد فهم البعض منها أن هدفها الحيلولة دون أن تستحوذ النهضة على المحكمة الدستورية.
للتذكير فقط، تتكون المحكمة الدستورية من 12 عضوا. 4 ينتخبهم البرلمان و4 مجلس القضاء و4 رئيس الجمهورية .
بالنسبة لأربعة البرلمان، انتُخِب منهم في سنة 2018 عضو واحد، بقي 3 أعضاء. الواضح من خلال التوازنات الحزبية داخل البرلمان أنه لا يوجد حزب يمكنه أن يمرر مرشحا واحدا فضلا عن ثلاثة مرشحين دفعة واحدة. لأنه لا يوجد حزب واحد لديه أغلبية تمكنه من ذلك، و145 نائبا المطلوب توفيرهم لانتخاب أي عضو لا تحوز عليه إلا الأحزاب الخمسة الأكبر مجتمعة، مع ما بينها من خلافات وصراعات وحتى عداوات، مثل ما بين الحزب الأول النهضة والحزب الخامس الدستوري الحر، أو ما بين الحزب الثالث التيار الديمقراطي والرابع ائتلاف الكرامة، وحينئذ كيف يمكن لهذه الأحزاب بهذه العلاقات أن تنتخب، هكذا، 3 من حزب واحد بينها؟
وعليه فإن أقصى أقصى أقصى ما يمكن أن يحدث لو تنازلت لبعضها وقربت كتلا برلمانية أخرى، أن ينجح واحد لا أكثر من حزب، أقصد واحد من 12 عضوا مجموع أعضاء المحكمة الدستورية. وحينئذ فالأقرب والحالة تلك من التشظي أن تتوافق الأحزاب على أعضاء مستقلين أو ما شابه ذلك. فهل هناك حزب يمكنه أن يكون له نفوذ داخل المحكمة الدستورية؟ لا تستبلهونا.
بقي أن مجلس القضاء الأعلى ينتخب مرشحيه الأربعة، كذلك رئيس الجمهورية يعين 4. وهنا فالوحيد الذي يمكنه أن يعين كما يشاء دون انتخابات ولا تمحيص للأعضاء ولا شفافية في الترشح ولا عرض لشروط الترشح وتحديد آجال الترشح، هو رئيس الجمهورية قيس سعيّد، ورئيس الجمهورية خبرناه في تعيين سابقة لمعارفه من زملاء الدراسة أو طلبته. غير مهم في نظري، ولن يحيد من يعينهم عما فعله هشام المشيشي.
وبالتالي فالمشكل الأساسي بالنسبة إليه هو أن المحكمة الدستورية ستنزع منه ما ادعاه لنفسه من تأويل الدستور، خاصة وأن أي عضو فيها سيجد حريته المطلقة في أن يحكّم ضميره ولن يجد موجبا للبقاء تحت رحمة من عيّنه سواء كان برلمانا أو رئيس الجمهورية، أي عضو سيقرأ دوره على ضوء ما سسيبقى في كتب التاريخ وما ستقوله الأجيال القادمة. ولذلك فقيس سعيد يخاف من المحكمة الدستورية، وليس عليها.