وبعد أن طارت رسالة أمير افريقية قيس بن سعيد الإخشيدي إلى الوجيه راشد الغنوشي - وهو المقدم في مجلس الأعيان- في الآفاق وبلغت ما شاء الله لها أن تبلغ من الأمصار، ذهب بعض المُجّان إلى ابن سيرين وتواصوا بأن يطرحوا الأمر على الشيخ وكأنه من باب الرؤية لما علموا منه من بغض السياسة وأهلها.
فتقدم أحدهم -وكان المفوّه فيهم- وقال : يا شيخنا، ما تعبير أن يرى الرجل نفسه في المنام وهو يُلقي السلام على نفسه قبل غيره قائلا :"السلام علينا وعليكم مثل الذي ألقينا"؟
فقال ابن سيرين: أصل هذه الرؤية في الصلاة الابراهيمية وذلك بأن يقول المصلي في تشهده بعد السلام على النبي الكريم (ص) : "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين".
فإذا رآى الرجل أنه يسلم على نفسه قبل غيره فقد اقترب خروجه مما هو فيه من حال. ومحصول قولي في تعبير الرؤية هو أن من سلّم على نفسه قبل غيره فقد أوشك على الانتقال من حال إلى حال …
والأغلب على الظن عندي أنه انتقال من الذي هو خير إلى الذي هو أدنى...لأنه لا حال للمؤمن أفضل من حاله وهو يصلي، وهو أقرب ما يكون للخروج منها عند التسليم...فمن رآى مثل ما ذكرت فإن أمره من حَوْر إلى كَوْر ، فعليه بالنظر في خاصة أمره وإصلاح ما أمكن منه عسى أن تتداركه رحمة من الله، فهو الذي يثبت ويمحو وعنده أم الكتاب....والله أعلم"