لم يبيّن لنا رئيس الجمهورية قيس سعيد ما هي مكونات "اللوبي الواحد" الذي تكلم عنه، مكوناته الحزبية والإعلامية والمالية، وإنما توقف عند توصيفهم بأنهم "لصوص" و"لاوطنيين" و"خونة" الخ، واستعاض عن تسميتهم برفع صوته، كما لم يعط حتى لمؤيديه دلائل تثبت اتهاماته أو يقدم ذلك للقضاء أو للإعلام. ولا شك أن الالتزام بدائرة الغموض في مثل هذه الحالة، إنما يكشف عن تأجيل أو عجز عن المواجهة أو عدم امتلاك الحجة.
إلا أن ذلك لا يعني عدم وجود لوبي بل أكثر في الساحة، ولهذه اللوبيات أذرع في الإعلام كما في السياسة وفي الاقتصاد والمال والإدارة والنقابات ووو، ولسنا في حاجة للتدليل بأنها تحرك الأحداث والفاعلين، وتتدخل في كل شيء، وقد لا تفلت من أصابعها مؤسسة.
فقط لسنا ندري كيف استطاع أن يراوغها قيس سعيد قبل أن يصل إلى مؤسسة الرئاسة، بحيث كان حاضرا -منذ 2011، في وسائل الإعلام التي تقدمه على أنه "أستاذ القانون الدستوري" رغم أنه لم يكن إلا مساعدا في التعليم العالي؟ كما نتذكر آخرين ممن كانوا يقدمون على أنهم متخصصون أو خبراء، ولم تكن لهم كتب ولا دراسات في المجالات التي يُنسبون إليها، بما يجعلهم رهائن عند من يستدعيهم، وقد غاب تقريبا كل أولئك الخبراء الآن.
إن كلام قيس سعيد اليوم عن اللوبي الواحد يعني منطقيا أحد شيئين:
-الأول أن هذا اللوبي تشكل بعد انتخابات 2019، وإلا إذا كان هذا اللوبي بالعتو والنفوذ والقوة التي تبدو من خلال كلمات قيس سعيد، هل كان له هو شخصيا أن ينجح في الوصول إلى سدة الرئاسة من خارج الأحزاب وخارج هذا اللوبي.
- الثاني أن اللوبي الواحد سابق للانتخابات، إلا أن قيس سعيد ومن يقف معه كانوا أقوى من هذا اللوبي الواحد، بحيث انتصروا وانهزم مرشح اللوبي.
الواضح أن كلام قيس سعيد عن اللوبيات فيه محاولة لتبرير الفشل أو العجز عن الإنجاز حتى في المربع الذي حدده له الدستور، كما يستحث به الشعب على مواصلة مساندته.
إلا أنه يتغاضى عن الإجابة عن مسألتين حارقتين قد تدخلان في عمل اللوبي الواحد المتحدث عنه، وهما التهمة التي وجهها إليه نجد الخلفاوي، أحد أنصاره في الحملة الانتخابية، من أنه التقى مع جهة أجنبية قدمت له الدعم خلال الانتخابات الرئاسية، ولم نسمع تعليقا على ذلك الكلام أو تكذيبا له، وإنما سجلنا فقط الخلل الذي حدث على موقع الجريدة يوم نشرت ذلك التصريح.
المسألة الثانية التي تلفت النظر، وهي التسريبات عن مايا القصوري التي تبين من خلالها علاقتها مع السفير الفرنسي السابق من جهة ومع قصر قرطاج من جهة أخرى، وما كشفته من تخطيط الغرفة المظلمة لإقالة الياس الفخفاخ وتسمية هشام المشيشي، وهو ما تم حرفيا. وهنا السؤال هل كان ذلك خارج عمال "اللوبي الواحد"؟ أم أن التقارير التي تصل قيس سعيد لم تتعرض إلى محتوى تلك التسريبات ولا ما صرح به نجد الخلفاوي قبل ذلك؟