سمعت راشد الخياري، مثلما تابعه عشرات الآلاف، وتابعت بعض التعليقات على ما قاله، وخرجت بالتعجب من فئتين أولى تستنكر سماعه و"تترفع" (كذا) عن التعليق عليه، والثانية أخذت كلامه على أنه حقائق ومسلمات. الأكيد أن الفئة الأولى تستبطن الحجر على عقول الناس، والفئة الثانية مستعدة لتصديق كل ما يلائم هواها حتى دون دلائل وإثباتات. ولا شك أن الاختلاف بينهما يعكس الموقف السياسي بالأساس ولا صلة له بالعقلانية ولا المسؤولية ولا المواطنية، وإنما هو مجرد اصطفافات.
نعم تكلم راشد الخياري عن وثائق، إلا أنه لم يعرضها في الفيديو الذي بثه، باستثناء واحدة لم تكن مقروءة ولا يمكن التثبت منها، وأن يعبر عن استعداده ليمكن منها القضاء، فقد كان بإمكانه أن يفعل ذلك في نفس الوقت، أو أن ينشرها أو على الأقل ينشر البعض منها، ما المانع بالضبط؟ كما أن الصور التي استظهر بها لا تقوم مقام الدليل على ما يقوله بالبنط العريض. بمعنى أن ما بثه يبقى مجرد كلام، ولا يمكن استعماله كدليل قاطع على أن قيس سعيد قد حظي بدعم أو تمويل أجنبي خلال حملته الانتخابية.
في المقابل فإن من سوء حظه أن ما قاله راشد الخياري، سبقه إليه بشهر ونصف تقريبا نجد الخياري الذي كان أحد المشاركين في حملة قيس سعيد الانتخابية في 2019 ثم المدير التنفيذي "لحزب الشعب يريد" الذي تم الإعلان عنه في فيفري 2021.
وقد تكلم عن الموضوع في حوار نشر بتاريخ 9 مارس 2021 على امتداد نصف الصفحة 4 بجريدة الصباح التي تحظى بنوع من المصداقية بين الصحف التونسية، وأورد تقريبا كل التفاصيل التي أوردها راشد الخياري، ولم يكتف بذلك وإنما راسل بتاريخ 17 من نفس الشهر رئيس محكمة المحاسبات ليعلمه بإفادة حول تمويل أجنبي لحملة قيس سعيد، ونشرت تلك المراسلة عبر الانترنت.
إلا أن الموجودين في قصر قرطاج التزموا الصمت، فقط لوحظ أن الموقع الإلكتروني لجريدة الصباح تعرض لخلل فني يوم نشرت الحوار مع نجد الخلفاوي. ولم يُحظ حواره بأي رد لا تلميحا، ولا تصريحا ولا تعليقا ولا تكذيبا حتى أن يكون في حملته الانتخابية، أي كأن التقارير التي يتحدث عنها قيس سعيد والتي تعلمه بالكثيييير الكثييير لم يسمع محرروها بما ورد على لسان نجد الخلفاوي، فلم يستدعيه القضاء العسكري خلافا لراشد الخياري الذي قال نفس الشيء.
نقطة أساسية: يمكنك أن تكون مختلفا مع شخص لكن لا يمكنك أن تؤيد إحالة المدنيين على المحاكم العسكرية.