بمناسبة الإعلان عن حصول كارتي الحوار الوطني على جائزة نوبل للسلام انقسم التونسيون كالعادة بين مرحب ومتبرم، وانقسمت مشاعرهم بين الفرح والحزن. من المرحبين من استغل الفرصة ليشنع بمن لم يشارك في الحوار الوطني، تحديدا الرئيس منصف المرزوقي، أو ليقرّع من شارك فيه ولم يكن ضمن الحائزين على الجائزة. ولا شك أن مثل هذا التشنيع أو التقريع لا يتماشى بأي قدر مع شعار السلام المعطوف على الجائزة، بمعنى أن جائزة السلام التي جاءت لدعم الحوار والتوافق الوطني يستغلها البعض لإيقاد نار التجاذبات التي عاشت في ظل دخانها البلاد خلال السنوات الماضية، وهو ما يتناقض تماما مع الهدف المعلن من الجائزة نفسها.
أيضا المرحبون بالجائزة أراهم يتغاضون عن مخرجات الحوار الوطني التي أعادت المنظومة القديمة إلى حيث نراها اليوم مع ما يرافقها من تعكر الأوضاع على جميع الأصعدة وأبرزها الأمني والاقتصادي والاجتماعي والدبلوماسي. كذلك يتغاضى المرحبون بالجائزة عن صبغتها السياسية وعلاقة ذلك مع الضغوط الخارجية، وفي هذا الإطار فهي تلزم بلادنا بمواصلة نفس السياسات الليبرالية الكارثية والخضوع للإملاءات الخارجية سواء من السفارات الأجنبية أو المؤسسات المالية الدولية. ومن هذه الزاوية يوشك ما يشعرون به أن يكون مجرد عناقيد من الفرح الخاوي.
المتبرمون من الجائزة من جهتهم لا ينتبهون إلى أن منح الجائزة كانت مناسبة للدعاية إلى تونس بما يذكرنا بالصورة الناصعة التي انتشرت حولها في السنة الأولى من الثورة. وبالفعل فالتجربة التونسية، رغم كل ما يمكننا أن نقوله حولها، مقارنة مع تجارب البلدان العربية التي شهدت ثورات الربيع العربي من ليبيا إلى اليمن مرورا بسوريا وخاصة بمصر، تظهر أن بلادنا تمثل حالة مختلفة. ومن باب النكتة نشير إلى أن عبد الفتاح السيسي وقع ترشيحه لنيل الجائزة نفسها، "لما قدمه من أعمال خدمت السلام، وأنقذه الشعب المصري من خطر محدق وانصاع لرغبة الشعب وإرادته في ثورة 30 يونيو،" كما ورد في نص الترشيح. ههههه.
الأمر الثاني الذي لا يشار إليه أيضا هنا هو مبلغ الجائزة، حوالي ملياري دينار. نذكر هنا أن وعود الإمارات العربية المتحدة من هبات وقروض تبلغ أقل من نصف هذا المبلغ. ولاشك أن تحويل ملياري دينار بالعملة الصعبة إلى تونس يشكل عنصرا إيجابيا. ننتظر من الفائزين بها أن يوظفوه بما يندرج ضمن تحقيق مطالب الثورة، وخاصة لما يهم المناطق والفئات المحرومة.
من جهة أخرى الجائزة تعتبر رسالة إلى أكثر من طرف على الساحة الوطنية مضمونها إلزام الجميع بالاستمرار على نفس النهج التوافقي، وهو ما يعني رفض احتكار السلطة من قبل حزب واحد. كذلك تسفيه الذين بنوا استراتيجياتهم على إعادة البلاد إلى مربع الاستبداد والقمع والسجون. وقبل ذلك فالرسالة موجهة إلى الحائزين على الجائزة أنفسهم لإلزامهم مستقبلا بالوقوف ضد أي نزعات من هذا النوع، مهما كان الطرف الذي يقف وراءها. ومن هذا المنطلق فالجائزة في أحد معانيها توريط لهم.