بداية الاحظ تهافت منهجية قراءة القوانين عبر اسلوب الشرح على المتون والبحث عن المعنى بين الكلمات وواو العطف.. عند بعض "الخبراء" الذين يتعاملون مع القانون الدستوري والقانون الاداري بمنطق القانون المدني.. من خلال منهجية في تأويل النصوص القانونية لا تجوز في جل مواد القانون العام..
علما وان هذه الإشكالية ترجع للقانون الاداري وليس للقانون الدستوري لعدم تعلقها بالعلاقة بين السلط الثلاث وإنما بتوزيع الاختصاص داخل السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة) …
التأويل في هذا المجال ينطلق من قواعد أساسية في فهم التنظيم الاداري وهي قواعد ليست مكتوبة بالضرورة بشكل صريح، ولكن هي مبادئ عامة تسوس قواعد الاختصاص..
أولها مبدأ التخصص principe de spécialité اي ان كل سلطة لها صلاحياتها الخاصة بها مهما كان موقعها وان سفل.. ولا توزع السلطة حسب علوية احداها على الاخرى: مثال هناك صلاحيات يمارسها قابض المالية ولا يمكن لوزير المالية ان يمارسها..و صلاحيات لرئيس الجامعة غير مخولة لوزير التعليم العالي...وصلاحيات للجنة استقصاء الملك العمومي البحري غير مخولة لوزير التجهيز رغم علوية الوزير على تلك المصالح...
وبالرجوع إلى الإشكال المطروح.. في علاقة بسلطة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة و وزير الداخلية على قوات الأمن الداخلي...خص الدستور رئيس الحكومة بتسمية وزير الداخلية..
وهذه الصلاحية لا تسقط عنه، حتى لو سلمنا جدلا بأن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات الامن الداخلي…
وبعبارة أخرى يعتبر رئيس الحكومة ثم وزير الداخلية رئيس ادارة chef d'administration قوات الأمن الداخلي وله في ذلك صلاحيات التسيير والتعيين والاعفاء..
تماما مثلما هو الحال بالنسبة لوزارة الدفاع حيث يوزع الاختصاص بشكل هرمي.. ورغم ان رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى لقوات الجيش الوطني فلا يمكن له أن يمارس الصلاحيات المخولة لوزير الدفاع أو لقائد الاركان...او اي سلطة عسكرية خصها القانون بصلاحيات محددة... مثل النيابة العسكرية...
بل انه ليس لوزير الداخلية مثلا ما للولاة من صلاحيات مضبوطة رغم انه يعتبر الرئيس المباشر للولاة (مثلا الوالي يسند رخصة بيع عقار لأجنبي ورئيسه اي وزير الداخلية لا يمكن له ذلك)…
وكما قلت، حتى لو سلمنا جدلا بأن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى لكل القوات الحاملة السلاح فلا يمكن له تعيين وزير داخلية ولا إجراء حركة داخل وزارة الداخلية عملا بمبدا التخصص principe de spécialité....
ومع هذا.. وعودة الى السؤال هل القوات الحاملة للسلاح تشمل قوات الأمن الداخلي؟
من المؤكد انه لا سبيل للخلط بين الجيش والامن الداخلي لاختلاف المهام اختلافا جوهريا.. فالأول موجه ضد الاعتداء الخارجي والثاني للحفاظ على الأمن الداخلي والنظام العام.. …
كما ان اسناد رئاسة قوات الجيش لرئيس الدولة معمول بها في أغلب الدول في العالم على اعتبار ان جوهر اسناد هذه المهمة لأعلى سلطة في البلاد (رئيس الدولة) -وهو مفهوم يختلف عن مفهوم "رئيس الجمهورية"- هو التوجه نحو الخارج بقيادة موحدة للدولة في التصدي لأي اعتداء أجنبي... فضلا عن الرغبة في وضع قيادة سياسية على رأس الجيش يمثلها كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الدفاع..
ومن الواضح ان قيس سعيد همه مع وزارة الداخلية هو التعيينآت سواء على رأس الوزارة أو داخلها وهذا أمر لا يعود له مطلقا بصريح الدستور لأن توزيع الصلاحيات داخل المرافق العمومية منظم بنصوص واضحة وليس وفق قاعدة الأعلى هو الذي يهيمن ويحكم اي وفق نظام هرمي hiérarchique فليس لرئيس الحكومة مثلا ان يجري حركة داخل المستشفيات طالما أن تراتيب َوزارة الصحة تنظم كيف تتم الحركة داخل المستشفيات ووزير التعليم العالي ليس بوسعه ان يغير جداول تدريس الأساتذة الجامعيين طالما أن تراتيب التعليم العالي تنظم القطاع و الصلاحيات بدقة…
ويبقى لهذه السلط "العليا" الحق في ممارسة صلاحياتها السياسية تجاه منظوريهم من حيث تعيين الوزير أو المدير أو اعفائهم.
الخلاصة لا طائل من بحث رئيس الجمهورية عن رئاسة قوات الأمن الداخلي لأنها لا تخول له التعيين والعزل واتخاذ قرارات تتعلق بتسيير المرفق العام الأمني.. حتى لو اجتمع كل قانونيو البلاد على أنه فعلا رئيس قوات الأمن الداخلي طالما أن الدستور ومختلف النصوص الترتيبية جعلت من رئيس الحكومة ومن بعده وزير الداخلية رئيس إدارة الداخلية chef de l'administration..
ملاحظة أخيرة… رئيس الجمهورية هو سلطة إشراف على الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية ولمعهد الدراسات الاستراتيجية لكن ليس له أن يتخذ اي قرارات تتعلق بالتصرف الداخلي فيهما.. لأن له سلطة إشراف لا سلطة رئاسية..
لذلك أرى انه يتعين التخلي عن هذا الفهم "الطفولي" للسلطة…