يشير أهل الاختصاص إلى رسالة صندوق النقد الدولي إلى الحكومة التونسيّة. وهي ردّ على التماس من الحكومة لم تُعلِم به وبعثت به في كنف السريّة دون إخطار من يهمّه الأمر من جهات تشريعيّة وماليّة واجتماعية.
ويترجم الخبراء رسالة صندوق النقد في نقاط تلخّص الوضع التونسي من جهة حالة الاقتصاد والشروط التي يتحرّك فيها ويمكن إجمالها في غياب الاستقرار السياسي، وارتفاع التوتّر الاجتماعي والمطلبيّة، وشلل الحكومة، وافتقادها إلى رؤية في مواجهة الأزمة الماليّة الاقتصاديّة والصحيّة، وتفاقم الوضع الوبائي وبلوغه مرحلة خطيرة جدّا.
هذه هي الظروف التي تجعل من السفر إلى واشنطن مهمّة تكاد تكون بلا معنى.
ولكنّ هؤلاء الخبراء يسكتون عن أنّ غياب الاستقرار السياسي وشلل الحكومة والمؤسسات سببه رئيس الجمهوريّة بخرقه الجسيم للدستور وإرباكه للمؤسسات والإمعان في التعطيل والبلوكاج السياسي برفض استقبال الوزراء الجدد لأداء اليمين بعد نيلهم ثقة البرلمان، ورفضه ختم قانون المحكمة الدستورية، وإمعانه في معركة الصلاحيات وتحرّشه بالمؤسستين العسكريّة والأمنيّة.
نتيجة ما يأتيه رئيس فاق غياب الاستقرار ليصبح إرباكا شاملا وتعطيلا لمؤسسات الدولة وإدخالَ اضطراب غير مسبوق عليها. كما يسكت هؤلاء الخبراء عن الجانب الاجتماعي واشتراط الصندوق هدنة اجتماعبّة إلى جانب الهدنة السياسيّة.
رئيس الجمهوريّة يمارس سياسة تدمير ممنهج للمسار وأسسه المؤسسيّة السياسية والاقتصاديّة وهو، إلى جانب ضعف الحكومة المشلولة وغياب رؤية وبرنامج لديها لمواجهة الأزمة المركبّة والخطيرة، يدفع الحكومة إلى وضع تفاوضي ضعيف جدّا مع صندوق النقد والبلاد إلى الهاوية ظنّا منه أنّه سيبني على خراب التجربة نموذجه الساذج.
غياب هدنة سياسية واجتماعيّة وبرنامج واضح لمواجهة الأزمة الاقتصادية والصحية يجعل من مفاوضات الحكومة في واشنطن مع صندوق النقد بلا أفق. ولا خلاف في كون المسؤوليّة تقع على عاتق كلّ الفاعلين في البرلمان والحكومة والرئاسة وسائر المؤسسات، ولكنّ المسؤوليّة الأولى يتحمّلها رئيس الجمهوريّة بسبب البلوكاج السياسي الشامل الذي فرضه فشلّ المؤسسات واستهدف وحدة الدولة واستمرارها.