وليس حكم المستبد الشعبوي الضحل الفاسد ضرورةً.
بعض المتقرّبين إلى قيس سعيّد يفكروني بقَتَلَة الحسين حين جاءوا يسألون أحد الأئمة عن حكم دم البعوضة (حكم قاتل البعوضة). فهؤلاء "المتطوّعون" غيرةً للدفاع عن سعيّد النظيف يعمدون إلى النفخ في أخطاء خصومه (وهي موجودة) وتسليط الضوء عليها وتصويرها جرما لا يغتفر ويسكتون عن كل ما أتاه سعيّد من خروقات للدستور موجبة لعزله، بإجماع أساتذة مراجع في القانون الدستوري.
حكاية تلقيح أعضاء الحكومة الّي نفختوا فيها وكذبتوا فيها برشة، وقد تكون موضوعا سياسيا وسببا للإدانة، ولكن هل تقارن بما يقوم به سعيّد من تدمير منهجي متواصل لمؤسسات الدولة وللسياسة؟
يا مقاولي السياسة!
- نسيتوا الـ500 جرعة هدية الإمارات المتصهينة. ولم تتحدث عنها رئاسة الجمهورية إلا حين تسرّب الخبر بعد أشهر عديدة من وصولها. ولا علْم للجنة الطبية العلمية بها؟!
- نسيتوا الطرد المسموم، ورفض الرئاسة طلب النيابة بالتحقيق في الموضوع لأنّه يتعلّق بأمن الشخصية الأولى في الدولة ومن ثم بأمن الدولة؟ ثم الحكاية سمع بيها العالم، والبعض تلفت يطمئن.
- نسيتوا كلام مايا القصوري وعلاقتها بالسفير الفرنساوي ودورها في إقالة الفخفاخ وفرض المشيشي على سعيّد؟ !
- نسيتوا كذبة استقالة الفخفاخ للحفاظ على عهدة التكليف بيد رئيس الجمهورية. وتفاجؤ الفخفاخ بأنه مستقيل. مسكين هو كالزوج المخدوع آخر من يعلم. وهذا بشهادة الأمين العام للاتحاد ورئيس البرلمان في اجتماعهما مع الفخفاخ برئيس الجمهورية ثمّ شهادة جوهر بن مبارك.
- نسيتوا البلوكاج السياسي الشامل الذي يفرضه سعيّد برفض أداء اليمين لمن منحهم البرلمان الثقة، وردّ قانون المحكمة الدستورية المنقّح. وإصراره على أن المحكمة الدستورية لن ترى النور. وهي مؤسسة النظام الديمقراطي الأساسية ومفخرته (تبنّيتم تعبيره السياسي عن هوسه وتوجّسه من إرساء المحكمة). وكل هذا في إطار سياسة التعفين؟!
بلوكاج خنق البلاد، وهو لا يقارن بأخطاء الآخرين وهي عديدة ومنها ما يأتي من حكومة الأكاديمية ومن حزامها البرلماني. ولكن ما يأتيه سعيّد يتجاوز الخطأ إلى خطيئة في حق البلاد والعباد. سعيّد يهدّد وحدة الدولة واستمرارها، ويهدّد السلم الأهلي. ولكنكم تغمضون أعينكم عن كل هذا مناكفة وطمعا.
ارتباك الوضع السياسي مع حكومة الفخفاخ، ثمّ انسداده بسياسة التعفين مع سعيّد سبب مباشر في استفحال الوباء وارتفاع عدد الضحايا وانتشار الموت. وسعيّد ليس وحده المسؤول عن الوضع الصحّي، ولكنه يتحمّل المسؤولية الأولى، منذ تولّيه، عن تحوّل هذا الوضع إلى كارثة صحية تحصد آلاف الضحايا والسبب المباشر هو سياسة التعفين وشلّ المؤسسات التي ينتهجها سعيّد لغاية واحدة هي إرضاء هوسه بالسلطة والتفرد ومناهضة الديمقراطية دون مراعاة الأدنى من مصلحة العباد والبلاد في وضعها الاستثنائي.
والبعض من هؤلاء لا يكتفي بالسكوت عن سياسة سعيّد ومسؤوليته الأولى عن الوضع الكارثي، بل صار يهدّد!!نعم يهدّد بسعيّد و"قمعه المنتظر"، وهو إن شاء الله يسلّك أموره الساعة!!
أنا أعتبر نفسي من المدافعين عن الديمقراطية، ومن وجهة نظري تتحدّد الديمقراطية في سياقنا السياسي بالالتزام بمرجعية الثورة والدستور والديمقراطية وأولوية استكمال مسارها وبالانتخابات الحرة وسيلة للتداول على المسؤولية. هذه هي محددات الديمقراطية التي أدّعي، وتنبهنا الثقافة الديمقراطية إلى أنّ الديمقراطية تفرض أن يكون الدفاع عنها ومناهضتها بوسائل ديمقراطية.
سنغلبكم بالديمقراطية...ولن نحتاج إلى غيرها.
وبالله ما تحكوش على الناس وباسم الناس و"يوم يتحرّكوا"، وكأنهم رهن إشارة منكم لينطلقوا تحقيقا لأهوائكم. ومن قال إنّ تحركهم، إذا اجتمعت أسبابه، ليس موجها ضدّكم؟!!!
سيّب عليكم من ها اللغة، فلو كان عندكم أمل في الناس بنسبة 1% لما كُنتُم "لاجئين سياسيين" عند سعيّد، ولما سكتم عن دعوة أصدقائكم لإنزال الجيش وجرّ المؤسسة الأمنية والعسكرية الضامنة للحرية واستمرار مسار بناء الديمقراطية إلى متاهات التجاذب الحزبي والسياسي.
الأصل أن نلتزم جميعا بالصراع الديمقراطي، فإذا أردتم غيره ما عندكم كان الرجال. سنتصدّى لمستهدفي الديمقراطيّٰة باسم الديمقراطية ومسارها. ولا حجة لكم في استهدافها إلاّ بتعلّة أنّها فاسدة. ولكن هل بديل الديمقراطية الفاسدة حكم الفرد المستبدّ الضحل الذي لا يمكن أن يكون إلاّ فاسدا؟ا