توفي الراهب والمفكر والمتخصص في الادب التونسي جون فونتان مدير معهد الآداب العربية «ابلا «لقد كانت « إبلا« رمزا وجدانيا وإنسانيا وثقافيا عميقا يؤكد ما جمع بين أساتذة الجامعة التونسية وخريجي مدارس البعثات المسيحية من التونسيين وجمهور المثقفين عموما من جهة والآباء البيض من جهة أخرى من أواصر الحب الصافي العميق والمودة الإنسانية المجردة عن الغرض. هؤلاء الآباء الذين وهبوا كل علمهم وكل ما تشربوه من تعاليم عيسى السمحة التي من بعضها أن سيد القوم خادمهم إلى هذه البلاد التي أحبوها حب الأوطان وسكنوا مع أهلها في الأحياء العتيقة التي ما غادروها حتى بعد أن تغيرت معالم المدينة من حولهم.
ظلوا هناك في قلبها معهدا ينصرفون إليه اغلب يومهم أو سكنا يأوون إليه اختاروه لأنفسهم قريبا من الشعب الذي أحبه الكاهن وان اختلفت ديانته من رأس الدرب إلى بطحاء الحلفاوين. لقد جاء الآباء إلى موقعهم في ربض باب جديد ولا يزال الجرح نازفا والخواطر موجوعة بعد ان انتصب تمثال الكاردينال لافيجري في مدخل العاصمة التونسية ليطعم الافخارستيا لأهالي البلد والذي لقي احتجاجات واسعة. غير ان المعهد اختار ومن الوهلة الأولى أن ينأى بنفسه عن سياسة الاستعمار وعن مزالق التبشير. فبدا مستقلا عن سياسة نظام الحماية واختار سياسة التعاون التونسي الفرنسي في أكثر الميادين خدمة للعلم ودعما لأواصر التلاقي بين الحضارتين الإسلامية والغربية.
لقد فشل الآباء البيض في تأسيس معهد لهم بغرداية فتوجهوا نحو تونس، حيث بعثوا هذا المعهد، وكان مقره في البداية في ضاحية المرسى تحت اسم دار الدراسات، وبدأت الدروس فيه يوم 25 نوفمبر 1926. ثم انتقل إلى تونس العاصمة ليحمل اسمه المعروف الآن منذ 30 مارس 1931. وانتقل أخيرا إلى موقعه الحالي منذ 15 فيفري 1932 بنهج جامع الهواء زنقة القرادشي قرب ساحة معقل الزعيم او رحبة الغنم سابقا.
ويهدف المعهد إلى التعرف على الثقافة التونسية في مختلف مظاهرها، وقد تجسم ذلك من خلال إصداراته ومن بينها خاصة مجلة إبلا التي تصدر منذ عام 1937، والتي يكتب فيها تونسيون وغيرهم باللغة الفرنسية أولا ثم باللغتين الفرنسية والعربية حين أحس القائمون عليها ان خريجي اقسام الإنسانيات في الجامعة التونسية قد أتقنوا الكتابة بلغتهم العربية وان فيهم من اختار أن يكتب ويفكر بها فقررت المجلة أن تنفتح عليهم وعلى أعمالهم لمزيد خدمة العربية وأهلها.
ويضم المعهد خاصة مكتبة هامة تأسست عام 1949 ويبلغ رصيدها 34 ألف كتاب نصفها باللغة العربية بالإضافة إلى مئات الدوريات. وهي بالأساس مكتبة بحثية بعد أن كانت في بدايتها مفتوحة للتلاميذ.ولكن معهد الآداب العربية ليس مكتبة كم يظن الكثيرون بل هو مؤسسة فريدة ومميزة، تُعنى بدور ذي أهمية كبرى في التنشئة على الحوار بين الحضارات و في التعرّف على ثقافة الآخر. إنه أداة فريدة لخدمة الثقافة ودعم الحوار اذ تطلع المعهد منذ تأسيسه إلى تنشئة جدّية ومعمّقة عن طريق معرفة موقع تونس الجغرافي ورصيدها التاريخي واصالتها الحضارية ومن خلال معرفة لغتها العربية ادبا، وعلما، وفلسفة، وفنونا. تلك هي رسالة المعهد النيلة.
ولذلك اعتبر القائمون عليه أن من اجلّ ما يقدمه هو أن يضع بين يدي الباحث الناشئ أو الراسخة قدمه في ميدان البحث كل ما يحتاجه من وسائل تمكن من دراسة اللغة العربية فوضع المعهد تحت تصرف رواده –قاعة مطالعة: أبوابها مفتوحة من الاثنين حتى الجمعة من الثانية والنصف الى السابعة مساء، ويوم السبت من الساعة التاسعة الى الواحدة صباحا وهي تحوي مجلات،و معاجم لغوية وبحثية،وموسوعات ولوازم بحث عامة صنفت حسب فهرسي المؤلفين و المواد مع خاصية لا وجود لها في مكتباتنا وربما في غيرها من المكتبات وهو أن يضع لك الكاهن الذي قرأ قبلك ما جئت تبحث عنه في نفس المكان ما كتبه الكاتب وما كتب عنه جنبا إلى جنب. وما على الباحث إلا أن يميز بين كتابات المؤلف وأقوال المراجع عنه سواء كانت هذه المراجع مصنفا تاما أو مقالا من منصف وذلك سهل ميسور إذ وضع المصدر بلون ومراجعه بلون آخر،
إنه يمكننا القول أن فهرس المؤلفين هو بداية بحث أجراها القائمون على المكتبة من اجل قرائهم، هو بحث قائم بذاته يعطي القدر الأوّلي مما يمكن أن تصل إليه يد الباحث وهو يتحسس خطواته الأولى نحو مصادره ومراجعه. لشد ما كان يسعدنا ونحن مقبلون على بحث جديد أن نجد«إبلا » قد جنبتنا متاعب البحث عن مراجعنا الأولى فقدمتها لنا على طبق من الفضة. أما فهرس الموضوعات وأغلبه حول تونس فبحر زاخر وكنز ثمين. تحول هذا الفهرس من يدوي إلى الكتروني مع مطلع القرن الحالي حين تطورت آليات العمل وأساليب البحث.
ولشد ما كان يدهشنا ويجذبنا ونحن مقبلون على دراسة العربية في الجامعة التونسية. ذلك المكان الهادئ في زنقة القرادشي . وذلك الباب العتيق الذي لا يفتح إلا لمن أدركوا كلمة السر وهي أن الكتب بساتين العقلاء وان من أفضل من تحب أولئك الذين يستقبلونك ببشاشة رصينة لا افتعال فيها يضعون أنفسهم في خدمتك وهم أنفسهم لا ينقطعون عن البحث وفيهم من سبقك إلى الدكتوراه في لغة العرب وآدابها حتى صار خادما لك في تواضع الراهب ولكن محاورا قد يكون اعلم منك بما تعلم مثل جون فونتان الذي حصل على الإجازة منالجامعة التونسية سنة 1968 وعلى دكتورا الدولة من جامعة اكس الفرنسية بدراسة بعنوان «الموت والبعث في أدب توفيق الحكيم » وهي الدراسة التي ترجها إلى العربية صديقه الأستاذ الجامعي محمد قوبعة . خصص جون فانتين حياته لدراسة الأدب التونسي وكتب حوله عشرات المؤلفات (انظر قائمة مؤلفاته) كان جون فانتين مديرا للمعهد من سنة 1968 الى سنة 1977 كما كان مديرا لمجلته من سنة 1977 الى سنة 1999.
لن أنسى استقباله لي حين كان مدير مجلة «إبلا » يوم جئت اعرض عليه بشيء من الوجل وهو الراهب المسيحي البارز نشر دراسة لي حول «قرية ظالمة « للأديب المصري محمد كامل حسين وهي عبارة عن محاورات سقراطية حول المسيحية وخاصة حول أحداث الجمعة المقدس الذي صلب فيه السيد المسيح . لن أنسى نقاشنا حول محمد كامل حسين جراح العظام الفذ والمفكر شبه المجهول وحول قيمة الكتاب الذي بقي منسيا من أكثر المثقفين العرب والذي لم يجد حظه إلا عند المستشرقين الذين أولوه أهمية خاصة وعدوه من أفضل ما جادت به المكتبة العربية حول موضوع صلب المسيح من زاوية إنسانية خالية من أي جدل ديني عقيم حول الصلب أو الرفع فالجريمة قد وقعت سواء على المسيح المصلوب العائد من بين الأموات أو على ذاك الرجل الاخر غير الذي رفعه الله إليه، فما قتل المجرمون عير شبيهه.
لقد هدفت إبلا منذ تأسيسها إلى معرفة الآخر في اختلافه الكلي، ولكن أيضا في احترامه الكلي فأخذت الغربيين على طريق تونس والحضارة العربية الإسلامية من خلال بحاثتها المستشرقين الذين تحتضنهم وتفتح أبوابها أمامهم صباحا وأخذت التونسيين على طريق معرفة بلدهم تونس وحضارتهم العربية الإسلامية. لقد كانت إبلا في قلوبنا جوارا عميقا بين الصليب والهلال وصداقة كأنها الخبز المقدس وقد غمس في ماء المحبة وملح الأخوة الصادقة. الى روحك السلام أيها العزيز الذي أحب تونس وأدبها وخصص لهما كامل حياته الرهبانية الثرية بالايمان والجهد الفكري الخليق بجهد راهب الدير القديم séminariste على حد وصف صديقه توفيق بكار والذي وهب حياته للرب وللمعرفة.
• Vingt ans de littérature tunisienne 1956-1975, Tunis, Maison tunisienne de l’édition, 1977.
• Mort-résurrection : une lecture de Tawfiq al-Hakim, Tunis, Bou Slama, 1978.
• Aspects de la littérature tunisienne 1976-1983, Tunis, Rasm, 1985.
• Histoire de la littérature tunisienne par les textes, t. I : Des origines à la fin du XIIesiècle, Le Bardo, Turki, 1988.
• Études de la littérature tunisienne 1984-1987, Tunis, Nawras, 1989.
• La littérature tunisienne contemporaine, Paris, Centre national de la recherche scientifique, 1990.
• Écrivaines tunisiennes, Tunis, Gai Savoir, 1990.
• Regards sur la littérature tunisienne, Tunis, Cérès Productions, 1991.
• Romans arabes modernes, Tunis, Institut des belles lettres arabes, 1992.
• Histoire de la littérature tunisienne par les textes, t. II : Du XIIIesiècle à l’indépendance, Tunis, Sahar, 1994.
• La crise religieuse des écrivains syro-libanais chrétiens de 1825 à 1940, Tunis, Institut des belles lettres arabes, 1996.
• Bibliographie de la littérature tunisienne contemporaine en arabe 1954-1996, Tunis, Institut des belles lettres arabes, 1997.
• Propos de littérature tunisienne 1881-1993, Tunis, Sud Éditions, 1998.
• La blessure de l’âne, Tunis, Script, 1998.
• Recherches de littérature arabe moderne, Tunis, Institut des belles lettres arabes, 1998.
• Itinéraire dans le pays de l’autre, Tunis, L’Or du Temps, 1998.
• Histoire de la littérature tunisienne par les textes, t. III : De l’indépendance à nos jours, Tunis, Cérès, 1999.
• Le roman tunisien de langue arabe. 1956-2001, Tunis, Cérès, 2002.
• Kalimât muhâjira, Tunis, El Bustan, 2002.
• Le roman tunisien de langue française, Tunis, Sud Éditions, 2004.
• Points de suspension…, Tunis, Arabesques, 2008.
• Le roman tunisien a 100 ans (1906-2006), Tunis, Arabesques, 2009.
• Traduction de Noureddine Alaoui. Une musette de mirages, Tunis, Centre national de traduction, 2010.
• Bréviaire des prisonniers étrangers en Tunisie, Tunis, Arabesques, 2012.
• Du côté des salafistes en Tunisie, Tunis, Arabesques, 2016.