مثلٌ تونسي يقول "اللي خاف نجا" ومثل آخر يقول "عمبو الشّْجاعَهْ اللي تخلّف الذّلّ"، ومع انني اتحفّظُ كثيرا على التعلل بالأمثلة الشعبية عمومًا لأنها تختزل "التقاليد الاجتماعية" (les conventions sociales) بتناقضاتها وعادةً ما تعكس واقعا لا-تاريخيا، والتي تفرض على الافراد المعاصرين اتّباعَها بدون عقْلنتها مقابل انتزاعهم شيئًا من ارادتهم وهو محتوى "الاغتراب الاجتماعي"، (يحتاج الى تفصيل) الاّ انني أجد احيانا في هذه الامثال شيئًا من تناقضات الواقع الحالي عندما تُؤخذ الشجاعةُ عبثا على أنّها مغامرةٌ في المجهول بدون دافع مُعقلن ولا هدفٍ جامع.
ولوْ وضعنا موقفَ الرئيس حين كان غير حامل للكِمَامة، والقائل بعدم القيام بالتلقيح خوفا من الكورونا، فاني استغرب لمفهوم "الشجاعة" عنده، خاصة عندما نقارنها بشجاعة الكثيرين من الأعلام مثل حنبعل ونابوليون بونابارت، والتي تفقد لديهما معناها بمجرّد عدم "التفكير" قبل التعبير عنها بالأقوال او بالأفعال.
فشجاعةُ أخطرِ الأُسود لا يختلف كُنهُهَا عن شجاعة النّسور او غيرها من الكائنات المفترسة لأنها تعبّر كلّها عن شيء واحد وهو الصراع الغريزي من أجل الحياة في نسق توازن القوى الطبيعية.
وعليه، فان الشجاعة لا تختلف وفق هذه المخلوقات لأنها "منزوعة التفكير" الذي هو انساني بالأساس، وأنها لدى الانسان هي تلك التي تَبنِي انسانيته بالتفكير في امكانية الابداع وتساهم بالتالي في سيطرته على الواقع واخضاعه لإرادته.
فيرتقي بإنسانيته بقدر ما يبتعد عن نزعاته وميولاته الحيوانية القائمة اساسا على نفي الاخر بهدف البقاء. والشجاعة عند الانسان يمكن ان تتخذ اشكالا تعبيرية مثل الصبر على الواقع المرير، او عدم سبّ الاخرين، او عدم معاملتهم بنفس المعاملة او قول الحق وعدم الخضوع للأفكار البالية او الانماط المحنطة…
فقد كان غاليليو شجاعا عندما فكّر خارج الصندوق، وغيره من المفكرين حين تحرروا من القوالب الفكرية الجاهزة، وغيرهم كثير ساهموا في الرقي الانساني في زمنهم…. ولذلك فان ادّعاء الشجاعة امام الكورونا، وهو عدو مجهول قاتل وفاتك بالبشر بدون علم ولا تفكير، انما هو عبث يفرغ "شجاعة الانسان" ووعيه بإنسانيته من فحوى كل منهما.. او قد تكون تزمّتا فكريا تجاوز حدود المعقول لنشر السطحيات خلال ازمة خانقة…