ما إن أعلنت الهيئة العامة التابعة للأمم المتحدة قرارها بتقسيم فلسطين في ١٩٤٧/١١/٢٩، حتى بدأت المناوشات والحرب الفعلية بعد رفض القرار عربياً، وازدادت هجمات العصابات على المدنيين الفلسطينيين، فبدأ أهل البلاد بالمدن والقرى بتسليح أنفسهم علناً غير مكترثين بقوات الإنتداب البريطاني التي كانت تبحث عن طريقها وتوقيتها للخروج من فلسطين.
اجتمع أهالي قرية بيت جبرين وجمعوا ما يملكون من بنادق وأيقنوا أنها لن تفي بالغرض ولن تحميهم من هجمات المستعمرات المسلحة المحيطة بهم، فقرروا إرسال تاجرين من أبناء القرية إلى مصر لشراء البنادق، باعت نسوة بيت جبرين ذهبها وجمع الرجال ما يملكون من مال من غلال الموسم السابق.. وبالفعل بعد أسابيع تمكن التاجران من إحضار كمية لا بأس بها من البنادق التي استعملت خلال الحرب العالمية الثانية في مصر، إذ كان ثمن البندقية ١٠٨ جنيهات فلسطينية (بالمناسبة كان ثمن سيارة الرينو الفرنسية من الوكالة في فلسطين آنذاك يقدّر ب ٤٢٥ جنيهاً فلسطينياً).
تم تشكيل كتيبة من ٣٠٠ متطوع من أبناء بيت جبرين، كان مركزها في منزل عبد الرحمن العزة (المنزل في الصورة)، واتفقوا على حفر خندق حول القرية، اشترك كل أبناء القرية رجالاً ونساءً بحفر الخندق الذي وصل إلى حد مترين في بعض المناطق، وقاموا بإنشاء دوريات تقسمت بين حمائل البلد (العزّة، الشوابكة، الغبارية والدعاجنة) بالتناوب فيما بينهم.
وصل الجيش المصري إلى بيت جبرين في النصف الثاني من شهر أيّار ١٩٤٨، واجتمع الضباط المصريون مع زعامات القرية في منزل عبد الرحمن العزة، وكان من بين الضباط الرئيس السابق جمال عبد الناصر.
أخذ الجيش المصري على عاتقه حماية القرية (قبل حصار الفالوجة)، وعُيّن الضابط حسن سعفان من الكلية الحربية في القاهرة مدرّباً للمتطوعين الفلسطينيين الذين كانوا يهتفون خلال التدريب:
(يعيش الملك فاروق ملك مصر والسودان، يعيش الحاج أمين الحسيني).
شارك الفلسطينيون من بيت جبرين والجيش المصري سوياً بمعارك في القرى المحيطة وسقط العديد من الشهداء كما أنهم حققوا انتصارات محدودة وخسائر بالعدو في أماكن أخرى، بشكل خاص عندما كانت تساندهم الطائرات المصرية.
بعد شهور قليلة اختلفت موازين القوى، فاتجه الجيش المصري إلى الفالوجة وعراق المنشية المهجّرتين حيث حوصر لاحقاً، فانسحب من تبقى من القوات المصرية إلى ترقوميا، وبقي أهالي بيت جبرين يدافعون عن قريتهم لوحدهم وقد اكتظت بمئات اللاجئين من يافا والقرى المحيطة والذين أقاموا بالمغر التي تشتهر بها القرية.
بعد أيّام جاء الإسناد من الجيش الأردني، ولكن ما إن دخلت مدرعاته أطراف بيت جبرين، حتى تمكن الإسرائيليون من تدميرها واستشهد من فيها، حتى أن اثنين من أبناء بيت جبرين؛ عثمان الحموز وكامل العزّة، صعدا على ظهر مدرعة مشتعلة لأخذ رشاش من عيار ٥٠٠ على ظهرها قبل أن تُدمّر بالكامل، فاحترقت أياديهما، ولكنهما استطاعا انتزاعه ليكملوا الدفاع عن القرية..
تعرضت بيت جبرين لقصف عنيف من القوات الجوية الاسرائيلية بين ١٥ و٢٠ تشرين الأول ١٩٤٨ بالإضافة للغارات الليلة، فاستمر خروج الأهالي إلى المناطق المحيطة هرباً من القصف.
سقطت بيت جبرين في ٢٧ تشرين الأول ١٩٤٨، بعد أن قاومت حتى الرمق الأخير..
هُدمت منازلها وأصبح أبناؤها لاجئين، أقيمت حدائق "وطنية اسرائيلية" على أنقاضها وأُنشئت مستعمرة بيت غُڤرين على أراضيها.