رحل هذا الفجر المناضل والمحامي الأستاذ أحمد المستيري عن سن ناهزت السادسة والتسعين.. وهو أول دستوري منهم لحزب بورقيبة يقرر تطوير حزبه... لكنه لم يتمكن من ذلك لاستفحال الاستبداد.
هو مؤسس حركة الاشتراكيين الديمقراطيين. وهو أول مناضل وقف إلى جانب بورقيبة منذ بداية المفاوضات من أجل نيل تونس إستقلالها من ربقة الإستعمار الفرنسي...وقد شغل مناصب عديدة منها وزارة الدفاع .....
إلا منذ بداية السبعينيات أحس بأن النظام دخل مرحلة غير مقبولة من الديكتاتورية التي منع وضوح الرؤية وسمحت بالتعسف على الشعب ...وأصبح حجرة عثرة أمام التقدم والحرية بسبب شخصنة الحكم بالزعيم بورقيبة الذي عوض أن يكون ملهما أصبح مستبدا .... والناس من حوله ينافقونه وهو راض...ويكذبون عليه وهو لا يحقق في شيء ليتأكد من صدقيتهم.. وقد بدأت السجون تمتلأ والمعتقلين السياسيين ظلما وعدوانا بسبب سياسة تكميم الأفواه ومنع اي حزب سياسي من اي توجه كان…
وقد كانت تونس آنذاك تخرج شيئا فشيئا من تجربة سياسية مريرة هي تجربة التعاضد التي أنهكتها ولم يكن بورقيبة على اطلاع كامل على الحقيقة لأن إعلامه كان يكذب عليه وهو يعيد بذلك وقد كان قادة الحزب الدستوري يعملون علي محاصرته في القصر.
وبعد هذه التجربة التعاضدية الفاشلة والمدمرة عوض أن تتم إصلاحات كبرى داخل النظام...فإنه تم اعتقال أحمد بن صالح ومحاكمته مع ثلة من المقربين له. وعاد النظام إلى أخطائه لترسيخ المزيد من الاستبداد وإبعاد كل من يتمتع بفكر ديمقراطي.
وكان أحمد المستيري اول دستوري يعلن من داخل حزبه وفي مؤتمر المنستير أن هذا الحزب في حاجة إلي نفس ديمقراطي من أجل أجراء إصلاحات كبرى تسانده عدد كبير من المؤتمرين وضعوا إلى هذه الإصلاحات لكن بورقيبة افطن الي ما يجري في هذا المؤتمر الذي قد ينهي حكمه ...فسارع باتخاذ إجراءات ابعد فيها رجال هذه الموجة الديمقراطية بقيادة أحمد المستيري.
لذا تولى المنسحبون من الحزب الحاكم مع بعض رجال آخرين يؤمنون بالحرية والديمقراطية وشكلوا المجلس الوطني للحريات الذي كنت سأحضر مؤتمره بنزل أفريقيا.. حسب موعد محدد لكن الأمن سبق هذا الموعد وطوق النزل ومنع دخول أعضاء المجلس الوطني للحريات وانصارهم من الموقعين على عريضة جمعت على ما أذكر أكثر من ثلاث مائة توقيع نشرتها جريدة لوموند…
وإن لم ينتظم مؤتمر المجلس الوطني للحريات الا أنه عاش سنتين وتحول الى حركة سياسية باسم حزب الاشتراكيين الديمقراطيين الذي لعب دورا كبيرا في نشر الفكر الحر والفكر الديمقراطي انطلاقا من جريدة الرأي الأسبوعية التي سبقت تشكيل المجلس الوطني للحريات ...ثم ظهرت جرائد أخرى ومنها المستقبل.. و"كونتاكت" …مارسا الديمقراطية زمن قوة الاستبداد....
وقد شارك هذا الحزب في أول انتخابات تعددية عام 1981سمح بها بورقيبة…وندم علي ذلك كثيرا حسب خطبه فيما بعد وقد حمل محمد مزالي مسؤولية تصعيد هذه الحركة .... وكانت ورقة الحركة الديمقراطية خضراء وورقة الحزب الحاكم حمراء ...وقيل أن الشعب اقبل بكثافة لي انتخاب الورقة الخضراء ...فتم تزييف نتائجها (وقد اعترف الباجي قائد السيسي في حواره مع قناة الجزيرة بأنه كان شريكا في تزييف نتائج الانتخابات) ...وخرجت جريدة المستقبل.. وجريدة الرأي أنه كان الحزب والنظام بتزييف الانتخابات.. وقالت الرأي: "" الاوراق مثل الحنة دخلت الصناديق خضراء فخرجت حمراء""..