وجه رئيس الحكومة يوم امس " نداء استغاثة " الى كل الطبقة السياسية (قطع لف ) محذرا من امكانية انهيار المنظومة ( لا نعرف ان كان يقصد نفس المنظومة التي نخشى فعلا من انهيارها اي منظومة السقف الدستوري و الانتقال الديمقراطي ) .
هذه الاستغاثة تبدو خليطا من التعميم و السذاجة التي لا نعلم ان كانت عن حسن نية او مع سابقية اضمار المغالطة . لا ندري ان كان السيد هشام المشيشي على علم بأن المعارضة بقيادة غريمه المفترض رئيس الجمهورية تشتغل اساسا على كسر المنظومة كأسلوب سياسي يحب ان يستفيد تماما من فشله في الاداء الاقتصادي و انهيار وسادته البرلمانية تمهيدا للإنقاذ الانقلابي الذي لا يخفي ضيق الجبهة الرئاسية بكل اطيافها من " ديمقراطية " تطلق عليها ما طاب من صفات الفساد و الشكلانية و الرجعية و العمالة في مقابل المشروع الرسالي للرئيس " المؤمن " الذي سيملأ الارض عدلا بعد ان ملئت جورا بمجرد اسقاط المشيشي و حكومته و تحالف "الفاسدين" قلبا و نهضة .
مما تقدم تبدو استغاثة المشيشي " للجميع " على نفس المسافة مجرد مخاتلة لا يصدقها احد و استبلاه لنفسه او لسامعيه .
السيد هشام المشيشي و حكومته التي صمدت اكثر من اللازم باعتبارها " حكومة الضرورة " على وزن " الزعيم الضرورة " في ادبيات الاستبداد العربي هي مراكمة مستمرة للأخطاء و قلة الكفاءة و العجز عن الاستثمار في الفرصة رغم الضعف الموضوعي لخصومه مما يجعل الخلل ذاتيا على ما يبدو .
يجمع المختصون في الشأن الاقتصادي من اصدقاء هذه الحكومة انفسهم ان الفريق الوزاري و الاستشاري لهذه الحكومة لا يقل ضعفا عن رئيسها فمادة التفاوض التي ذهبوا بها الى الجهات المانحة لا تقل انشائية عن التعبير الكتابي الذي يعبر به رئيس الجمهورية لنفس هذه الجهات عن احلامه بالمدينة الصحية و القطار السريع .
يبدو ان وزراء المشيشي و فريقه التقني لا يعلمون ان اللغة في التفاوض الدولي و سوق المال و المصالح هو الارقام و المشاريع الدقيقة : ماذا تريد؟ و كيف تريد ؟ بالألف و الباء و الجيم و بالواحد و الاثنين و الثلاثة لا بمجرد الشعارات الفضفاضة و الديماغوجيا الفارغة التي تعبر بنفس طريقة معارضة شعبوية لم تغادر مربع الايديولوجيا ….اصدقاء المشيشي انفسهم لا يكفون عن استخلاص محدودية وزير المالية و وزراء الاختصاص الاقتصادي و مستشاري الديوان في هذه المجالات مما يجعل كل زيارات الرجل لعواصم المال و الاعمال مجرد سياحة لغوية و اعلانات مبادئ دون ان يعرف احد ما تريد تونس .
في سياق متصل يبدو الاداء السياسي للمشيشي و فريقه عجزا مستمرا عن حل الازمة السياسية كمدخل جوهري لتجنب الكارثة الاقتصادية .دعنا من عجز المعارضة عن اسقاطه فهي بطبعها انتاج ذاتي لازمتها التي تجعل من المشيشي اقوى الضعفاء في هذه المعركة .لكن كيف يعالج المشيشي هشاشة وسادته البرلمانية و كيف يدير تصدع حزامه و كيف يتصرف مع احزاب حليفة عجز عن تجميعها حول مشروع واضح المعالم ؟ و كيف يتصرف رئيس الحكومة مع المنظمات الاجتماعية و اساسا مع اكبرها منظمة الشغالين التي لم يكف امينها العام عن مساعدته و الصبر عليه ؟
من يشير سياسيا على المشيشي غير شباب تنظيم الطلبة و خريجي الاكاديمية ممن لا يشغلهم غير التموقع الانتهازي في مفاصل دولة اوصلها تجمعهم منذ عقود الى عنق الزجاجة و لا يفعلون اليوم غير اعادة انتاج و رسكلة منظومة عقيمة لم تنفع سابقا حتى تنفع اليوم و بنفس الريفلاكس و العقلية الوصولية و الزبائنية و بنفس النخب و بنفس مافيات الريع و الهيمنة على مقدرات البلاد و باستعادة نفس منوال تنمية لا نماء تنتجه و بنفس اللامبالاة تجاه انتظارات الناس و دون خشية على مكسب حرية و ديمقراطية تتربص بهما شعبوية وظيفية ذات افق فاشي بحيث نجد انفسنا مخيرين بين طاعون الانقلاب الشعبوي الوظيفي او كوليرا حكم فريق قديم مرسكل و مدعوم بشهادة زور ضعيفة من جديد نهضاوي تائه بلا مشروع الا حماية انتقال لا يرى فيه شعب صبور ما يرضيه حتى يقبل بالدفاع عنه .
لا نريد ان نستسلم بسهولة لمزاعم جبهة " معارضة " لا نجد فيها غير ثرثرة طهورية بلا مشروع الا الخدمة الموضوعية لفاشية الارتداد الى استبداد عاجز عن العودة او تقديم الحلول و لكننا لا نرى لحظة المشيشي الراهنة بديلا يرضينا الى الابد ما لم نضع على طاولتها اليوم كل الحقيقة و لا شيء غير الحقيقة لنذهب الى انتخابات مبكرة تفرز الصفوف و تعيد توزيع القوى على قاعدة المشاريع الواضحة لشعب ينتظر .