تلقيت دعوة عبر الانترنات من جمعيتي " المساءلة الاجتماعية " بالمنستير و " صوتي ، صوت شباب سوسة " بسوسة لمواكبة ندوة تربوية تحمل العنوان التالي :
" تطوّرات منظومة التعليم في تونس بعنوان : رســــالة علمية أم تجــارة مـــادية "
بنزل " المنستير سنتر " يوم السبت 05 سبتمبر 2015 .
لبّيْتُ الدعوة و منّيت النفس بفرص حوار مفيد للتربية والتعليم.
عرض أستاذ شاب دكتور و مدرس تكنولوجيا بالمدرسة الوطنية للمهندسين بسوسة محاضرة حول استخدام التكنولوجيا الحديثة في التعليم ثم فُتح المجال للحوار والنقاش
شارك في إضفاء الحيوية على المشهد حضور السادة نواب المنستير في مجلس نواب الشعب { عن الجبهة الشعبية عبد المؤمن بن عانس وعن حركة النهضة محمد كمال بسباس وشهيدة فرح بوراوي }
قيل أن وزير التربية يشرف على ندوة المندوبين الجهويين بأحد نزل المنستير ووعد بالحضور لمواكبة جزء من الندوة
****
تجاوزت الساعة وقت الغداء و قد تركتُ أفراد العائلة في في مقهى في منطقة الفالاز يتمتعون بجمال منظر زرقة البحر واخضرار الغابة …
… طال الانتظار … فقررت الخروج والمغادرة … ولكن في باب النزل وجدت فريقا أمنيا يستعدّ لتأمين وصول وزير التربية فقلت إذن سأنتظر قليلا لأسلّم عليه وأبلغه تحيات الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية وأذكّره بوعده " توسيع الحوار الوطني " ثم أغادر ملتحقا بأفراد من عائلتي للترفيه والسياحة .
****
نزل الوزير من سيارته وأحاطت به الحراسة والمستقبلون في المدخل الرئيسي …
تقدمت منه وسلّمتُ عليه بدا هاشا باشا منشرحا
شكرته لدعمه نشاط المجتمع المدني فزاد انشراحه
قدمت له نفسي اسمي ولقبي وصفتي فواصل انشراحه
قلت له إنّني من التنسيقية العامة للائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية فرحب منشرحا
أضفت قائلا : إن الائتلاف يقرؤك السلام ويُذكّرك.
توقف والتفت إلي متحير وسأل باستغراب:
ـ وبماذا يُذكّرني ؟
أوضحت له :
ـ يذكرك بما وعدتَ عند مقابلة ثلاثة منه كل على انفراد.
ـ بماذا وعدتهم ؟ قالها متسائلا ولكنه مستنكرا ؟
ابتسمتُ ابتسامة من كان يعتقد ان الوزير لا يمكن أن ينسى … وأجبته :
ـ وعدتَهم بتوسيع الحوار الوطني لإصلاح المنظومة التربوية .أليس كذلك ؟
تغيرت ملامح الوزير وتبدّل تنغيم خطابه وانبرى قائلا :
ـ الائتلاف المدني… الائتلاف المدني تحوّل الى حزب سياسي !!!
قلت له:
نحن مجتمع مدني
استرسل في تعداد أوصاف الائتلاف المدني وجعل منه جبهة معارضة لمشاريع الإصلاح … وممّا قال الوزير :
ـ الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية أصبح حزيا سياسيا وهو " حراك شعب المواطنين " وأنا جئت إلى وزارة التربية لأنفذ برنامج نداء تونس لأنني وصلت إلى هناك بفضل نداء تونس … صمت قليلا وأضاف: نداء تونس هو من ربح الانتخابات !.
تذكرت الأيام الخوالي والاجتماعات التي واكبتها سابقا في ما يُسمّى " العهد البائد " واسترجعت مناخات " عقلية الحزب الواحد " وخاصة خطاب سي " محمد الصياح " وهو مدير للحزب عندما يشرف على لقاءات بالمربين وكذلك خطاب سي الصادق القربي لمّا تولّى وزارة التربية حيث كانا يعتبران أن الحزب الدستوري أو التجمع الدستوري لاحقا
ليس هو الحزب الوحيد بل هو " الحزب الذي بنى تونس " و" الحزب القائد " والحزب الملهم للشعب وهو الحزب الذي " يضمن مستقبل البلاد "
****
آنذاك تأكدت من وجود خطة لشيطنة القوى المدنية الفعلية في تونس وأنّنا بصدد ملاحظة " إعادة إنتاج النظام البائد " حيث تُعتمد خطة تستخدم نفس الأدوات والأساليب التي مارسها وزراء عديدون خلال نصف قرن من الاستقلال .
آنذاك قررتُ ألاّ أُغادر النزل وقررتُ أن أبقى لمتابعة الندوة وقررت أن أثير الموضوع أمام الرّأي العام التّربوي وقررت أن أختبر أقوال الوزير متسائلا هل يعيد نفس الخطاب في جلسة عامة علنية ؟
احتل وزير التربية ناجي جلول مكانه في المنصة وألقى كلمة قصيرة معددا انجازاته وتقديره للجمعيات و الحريات والديمقراطية … و…
ثم اتجه المنظمون نحو الجمهور الحاضر للتفاعل مع الخطاب التربوي الرّسمي فكنت أوّل من طلب الكلمة ولكن حدث ما لا يخطر على البال … إذ تدخل الوزير لمقاطعتي عدة مرات … ورغم أنّ المقاطعة يمكن أن تكون أداة مقبولة عند الضرورة ولكنها في هذه الحال لم تكن كذلك بل كانت لها و ظائف أخرى يمكن استنتاجها مما أسترجعُ من المداخلة المتقطعة :
ـ قلت : إن الحوار الوطني حول إصلاح المنظومة التربوية اتسم بإقصاء المجتمع المدني
قاطعني الوزير قائلا :
ـ لم نُقص أحدا … لا تتحدث عن الإقصاء … لم نُقص أحدا .
اسحب كلمتك هذه وحديثك عن الإقصاء وإلا سأنسحب من الندوة
قام وزير التربية ناجي جلول من كرسيه ومشى خطوات وكأنه يهم بمغادرة المنصة وسط ذهول الحاضرين .
ـ قلت له: يا أستاذ لا أسحب كلمة الإقصاء ولكن يمكن لي تعويضها بعبارة أخرى وهي " عدم مشاركة " الائتلاف المدني في الحوار الوطني حول إصلاح المنظومة التربوية.
ـ قاطعني الوزير : لا … ليس هناك أي إقصاء … لقد استقبلت ثلاثة شخصيات من الائتلاف المدني.
ـ قلت له : يا أستاذ … لا يوجد تمثيل للائتلاف المدني في لجان الإصلاح
قاطعني الوزير قائلا: لا تُخاطبْني " يا أستاذ " فأنا وزير… ولا توجد لجان لإصلاح المنظومة التربوية .
قلت له: إن لقب " أستاذ " هو للتعظيم … أي تعظيم الوزير… طيّب أخاطبك كما تشاء أي بلقب الوزير
قاطعني الوزير وصرخ : الائتلاف المدني تحوّل الى حزب سياسي
قلت له: ـ كنت أظن أن ذلك العهد قد مضى وانقضى… ألا تسمح لي بالتعبير عن رأيي ؟
قال لي الوزير : تفضّل … عبّرْ عن رأيك .
….
****
لقد ترسّخ في سلوكي عبر السنين احترامي لمن أتوجه بالخطاب ، فعبّرت عن رأيي في تقدير تام لوزير التّربية ولمكانته الاعتبارية ولكن بوضوح تام أيضا في الرؤية والفكرة والعبارة، لقد تمكنت من التطرق إلى ما يشغل بالي كمواطن تونسي يعتزّ بقيم ثورة الحرية والكرامة ويؤمن بقيم المدنية والديمقراطية .
****
تحدّث آخرون من طلبة وتلاميذ و معلمين وأساتذة عن قضايا تربوية .
****
أخذ الوزير الكلمة للتفاعل مع الذين سألوا وتساءلوا وأبدوا آراءهم .
****
تطرق الوزير في رده وتفاعله مع المتحدثين إلى شؤون تربوية متعددة ولكن سأكتفي بما كان بين الحين والآخر يشير أو يلمّح إلى الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية وما له علاقة بتلك التلميحات.
ذكر وزير التربية إن الائتلاف المدني تحوّل إلى حزب سياسي وهو حراك شعب المواطنين وانه يعرف رمزا فيه وهو سي مصدق الجليدي نشط معه ـ أي مع الوزير ناجي جلول ـ سابقا في الــ ب يدي بي { حزب سي نجيب الشابي } وان سي محمد الحمروني رئيس تحرير جريدة الضمير { كان معنا }
ثمّ أضاف الوزير بنبرة فيها الغضب والغيض :
" وقد تحولت هذه الصحيفة إلى مختصة في التهجم على وزير التربية ".
كما ذكر الوزير انه استقبل منذ يومين سي محمد بن فاطمة وهو صديق وزميل سابق مبيّنا " لقد درّسنا معا في كلّية 9 أفريل" . وتساءل قائلا :" أين الإقصاء " ؟
كما أشار الوزير مجددا إلى نقطة ما كنت أتصوّر أنها تدور في ذهن وزير في حكومة ائتلافية وفي مرحلة تحولات ديمقراطية في بلدنا :
قال الوزير: "أنا جئت إلى منصب وزير التربية بفضل حزب نداء تونس وسأطبّق برنامج نداء تونس "
ثمّ أضاف بالعربية: أنا طُموحي يتجاوز منصب " وزير " و لتوضيح ذلك صاغها بالفرنسية je suis gourmand
****
أن يكون الوزير طموحا وأن يحلم بما يتجاوز منصب وزير فذلك شأنه الخاص… من حقّه أن يصبو إلى منصب رئيس حكومة أو رئيس جمهورية فتلك هي محركات حياة السّياسي… أمّا أن يتحدث وزير التربية عن " تنفيذ برنامج نداء تونس " فذلك يمثّل عودة لنظام الحزب الواحد و عقلية الإقصاء و" تجريم الرّأي الآخر " و اعتبار المعارضة تهمة تنزع عن صاحبها حق المواطنة.
****
كنت أودّ أن أقول للسّيد وزير التربية ناجي جلول شيئا ما ولكنني لم أستطع ذلك في ذلك الحين لان الرد ليس متاحا ، و للندوة التربوية مسار محدد يقتضي الالتزام به لينتهي احتفاليا يخلّد نشاط المجتمع المدني ويثمّن جهد الشّباب المنظّم ، وهو أسلوب بروتوكولي محمود فقد اختتمت بصور تذكارية مع وزير التربية .
ولكنني رأيت أن أوجّه إلى الوزير الرّد المقتضب التالي فأقول له:
ـ سيادة الوزير، أنت توليت منصب وزير التربية بفضل فوز نداء تونس في الانتخابات التشريعية 2014 و لك أن تعتزّ بالحزب الذي " ناضلت " فيه فأوصلك إلى "كرسيّ الوزارة "فهنيئا لك بذلك…
لكن يا سيادة الوزير أنت عضو في حكومة الشعب التونسي وأنت وزير تربية للشعب التونسي بكل أحزابه وجمعياته وأن الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية يضمّ خبراء وكفاءات من مختلف الحساسيات السياسية و الاتجاهات الفكرية
… وسواء كان الائتلاف المدني شبيها بحراك شعب المواطنين أو بحركة الشعب أو بالمؤتمر أو بالتكتل أو بحركة النهضة أو بنداء تونس أو بالجبهة الشعبية فإننا تونسيون نتمتع بكامل الحقوق ونتساوى مع غيرنا { الفصل 15 من الدستور } و من واجبك إن تسمع آراءنا وان يتّسع صدرك لاقتراحاتنا فلنا وطن نحرص على سلامة ترابه ولنا مدارس نحلم أن تكون مهدا لتنمية مواهب أبنائنا وأحفادنا .
كما أقول لك يا سيادة الوزير أن الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية يضم خبراء ومختصين في مختلف مجالات المعرفة وتزخر مكوناته بالطاقات الخلاقة مثل شبكة التربية والتكوين والبحث العلمي "ريفورس " والقطب المدني للتنمية وحقوق الإنسان وجمعية تطوير التربية المدرسية و منتدى الفارابي للدراسات والبدائل بصفاقس و منتدى المعرفة بسوسة ورابطة تونس للثقافة والتعدد وجمعيات المربين التونسيين و جمعيات أولياء التلاميذ وجمعية الرسالة التربوية و مركز الزيتونة للدراسات … على سبيل الذكر لا الحصر .
أقول لك يا سيادة وزير التربية ناجي جلول أنت لم تأت إلى الوزارة لتطبيق برنامج نداء تونس حتّى وإن كان لنداء تونس برنامج إصلاح تربوي محكم ومتناسق، فالشأن التربوي مسألة حيوية واستراتيجية فوق الاحزاب والجمعيات … وإذا كان الأمر كذلك افتراضا وأنّك جئت لتطبيق برنامج نداء تونس فإنّنا لم نر نداء تونس يذكر شيئا حول الموضوع بل إن شبكة عهد ـ و التي تضمّ عددا من الجمعيات ذات التوجهات اليسارية ـ هي تطبّق برنامجها ولقد جاءت وثيقتها خارج سياق الدستور ولم تحترم القيم الواردة في الفصول 1 و2 و 39 . وكذلك جاءت وثيقة وزارة التربية الخاصة بمشروع الإصلاح التّربوي وخاصة الصفحة الرابعة منها.
إن عهودا طويلة من التوظيف الإيديولوجي للتربية والتعليم في تونس عايشتُها و كانت سببا رئيسيا في عدم تحقيق الأهداف المؤملة أراها اليوم تتواصل بنفس الأساليب والآليات ـ إلى حدّ الآن ـ و لكن مناخ الحرية يسمح لنا بحرية التعبير و إبداء الرّأي.