لا اريد العودة الى عشرات المقالات المنهجية في ادارة الازمة والتي لم تؤخذ بالاعتبار، ولا اريد الوقوف عند ردة فعل اغلب المعنيين بالشأن العام الهزيلة والمتضمنة الدفاع عن "عدم الاختيارات" و"عدم القرارات" في العديد من دكاكين الاعلام، وتفادي الحوار والعجز العصامي عن خطاب سليم فيه فكر اقتصادي ومنهجية سليمة وعمق في النظر وجدارة في الميدان (في مجال ادارة الازمة الاقتصادية والمالية والنقدية والصحية)، بل اقتصر الامر في اغلب الاحيان على السفسطة والتفكير حتى خارج المفردات الصائبة. ولا اريد العودة الى العلاقة السببية بين طريقة الدولة في ادارة الازمة من ناحية ونطاق انتشار الوعي ومحدداته من ناحية اخرى، ولا إلى الاسباب التي ادت الى الحالة الكارثية التي نعيش، حتى وان كان جزءٌ منها كونيا.
فقط اريد ان اشير الى ان هناك 14000 مأتم في 14000 عائلة تونسية قد يكون نصفها الآن بدون عائل ولا سند. كما اريد الاشارة كذلك الى ان اصابة فرد واحد ضمن 4000 حالة اصابة جديدة تعني الهلع والقلق والانخراط لكل افراد العائلة لتعبئة المعدات اللازمة من ادوية وفحوصات طبية وتحاليل ونظام غدائي سليم وحجر داخلي على أمال الا يُصاب باقي افراد العائلة وان يتعافى المُصاب…
فقط، المكوث بالبيت والخروج منه الا للضرورة والتعود على وضع الكمامة والتعقيم المستمر.
الله يسترنا ويستركم.
في المطار
في المطار -بالخارج- يُطلبُ منك تعبئة نص من تطبيقة "احمي" التي يمكن ان تدخل فيها اي معلومات بدون اي طريقة للتثبت من موثوقيتها، ثم تتفاجأ بضرورة البحث عن آلة طباعة في المطار لإخراج نص ورقي للتوقيع فيه لأنك لحظة شراء التذكرة لم تتلق اي معلومة في ذلك، كما يُطلب منك شهادة طبية تبين انك سلبي لفيروس الكوفيد، وفي الطائرة قبل النزول في مطار تونس قرطاج، يعطونك ورقتيْ استبيان في احداها التعهد بقضاء حجر صحي ذاتي لمدة ثلاثة ايام.
عند الوصول الى تونس، لا تجد من يتسلم كل هذه الوثائق التي يُرمي بها بطبيعة الحال في سلة المهملات.
وفيما يتعلّق بهاتفك الجوال، يُطلب منك استعمال رابط "سجلني" لكي يُصبح هاتفك مفعّلا بعد الاعلام برقم الهاتف ونوعه وسلسلته وتاريخ دخوله تونس، ورقم جواز السفر الا ان الرابط لا يشتغل بعد كل ذلك الوقت الذي يحتاج الى هاتف محلي آخر لان الاول ليس مشغّلا. فتلتجئ الى الذهاب الى "اتصالات تونس" لتقضي ساعات وسط زحمة من الناس بدون كمامة ولا تباعد وكلهم على اعصابهم…. امام بهتتة العاملين هناك…. ثم تسلّمك الموظفة ارقاما عديدة للاتصال بها واغلبها بدون رد، ووثائق مطوية للاطلاع حتى تتمكن من استعمال هاتفك الجوال، بعد ان تغير السيم-كارد… ولكن بدون جدوى الى ان تتحقق في اليوم الثاني من دخولك الى تونس انك لا يمكنك استعمال الهاتف المستورد بعد جانفي ٢٠٢١ لان "السيستام طابح".
وفي المحصلة، يبدو ان وزير النقل وتكنولوجيات الاتصال قد قام بالإنجازات التي ينتظرها كل التونسيين وهي :
(١) المساهمة في الانتقال الى مجتمع المعرفة،
(٢) اكمل تحديث نظام المعلومات والحماية السيبريانية،
(٣) اكمل الرقمنة وحدّث نُظم المعلومات،
(٤) ارتقى بأداء الخدمات العمومية من خلال الاقتصاد الرقمي ،….
انتهى من كل هذا، ليتفرّغ لسوق الهواتف الجوالة مانعا استيرادها لحماية التجار التونسيين الذين انتجوا هواتف ذكية جديدة ارقى تكنولوجيا من الآي فون والسامسونغ والهواوي، وهي تونسية الصنع خالصة.
سؤالي هو الاتي،
- من الذي قرر الزام المسافرين بتطبيقة مهزلة "احمي" وضرورة طباعتها في عصر "الرقمي"؟.
- اذا كان الهدف هو محاربة القطاع غير المهيكل، فليست هذه افضل طريقة، واذا كان دون ذلك فما هو المقابل الشخصي للوزير الحالي الذي منح ريعًا للتجار التونسيين في سوق الهواتف الجوالة حتى يعطّل استعمال الهواتف الشخصية المستوردة.؟