انهيت منذ حين الاستماع بانتباه الى مداخلة الرئيس منصف المرزوقي امام احدى الفعاليات الشبابية المجتمعة في سياق الوفاء و الصمود على مسار الحدث الديسمبري .
كانت مداخلته بامتياز مرافعة عميقة على سردية الثورة و الانتقال الديمقراطي و دستور جانفي 2014 ابرز المكاسب العربية للربيع التونسي الرائد في خريف الاستبداد العربي . و قد جاءت هذه المداخلة نقضا رشيقا لسردية الردة و المضادة بعد هذه السنوات السبعة العجاف من كي الوعي التونسي و التي عادت فيها الثورة المضادة باليات الديمقراطية و حرية التعبير و الاعلام و التنظم التي منحتها الثورة لتزدهر في ظل الاحباط النفسي المصنوع سرديات الفاشية و الشعبوية و الوظيفية الجديدة التي استثمر فيها القديم المخاتل بدهاء في خيارات التوافق المغشوش الذي اذعنت اليه النهضة بشروطه كقديم رافض للقطع مع طبيعته الاصلية المشدودة الى الفساد و الاستبداد .
لقد كانت سنن التاريخ بعد خماسية الفشل و التحيل 19/ 14 تحتم عودة الاستئناف الثوري و استكمال الانتقال و كان من المفروض ان يكون المرزوقي و عنوانه الحزبي هو مدار التصويت المفيد للثورة و الجديد في انتخابات 2019 لكن نفس الاختراقات و سوء اختيار الرجال و اساليب الفعل التي اخرجت المؤتمر من اجل الجمهورية خاسرا في انتخابات برلمان 2014 ستكون هي نفس الاختيارات و الاختراقات التي عصفت بمشروع حراك تونس الارادة لتقتله في المهد لفتح الطريق امام العناوين المغلوطة المتنكرة بلبوس الثورة في انتخابات 2019 و هي العناوين التي لم تتأخر كثيرا ليكتشف الجميع انها روافد وظيفية اعدت على مهل لتكون على امتداد 2020 و نصف سنة 2021 مجرد رديف بائس للشعبوية الانقلابية و الفاشية الفجة في استهداف لاخر ما تبقى من ثورة الحرية و الكرامة و اهمها دستور الثورة و ديمقراطية الانتقال و فرز الصفوف و المواقع و ترتيب خصوم الثورة و الانتقال .
لم اختلف مع المرزوقي الا في بعض جزئيات التقدير الجيواستراتيجي و لم يمنعني ذلك من تقضية بعض السنوات الى جانبه في موقع الدفاع على مسار الثورة و الانتقال وهي خيارات استراتيجية دائمة التقي فيها باستمرار مع هذا الرجل الديمقراطي الذي لا تندم ان تعتز دوما بالتقائك معه . لكن ما ابعدني عنه هو بالضبط ما اثبتته الوقائع وهو ان نقطة ضعفه سوء ادارة محيطه الذي امتلأ بكثير ممن ثبت فعلا بانهم لم يكونوا مع الثورة و الانتقال، بل كانوا مع السلطة و عندما كنا ننسحب بصمت من حوله كان امثالهم يغادرونه بصخب موجع و مدمر، بل و يغادرونه للاصطفاف في الصف المعبر عن عكس القيم التي بناها الرجل و ناضل من اجلها دون ان يحميه من هذا الصخب و الضجيج بعض طيبي النية ممن يبقون حوله بلا فاعلية .
مسارات التاريخ هي في جوهرها من صنع بشر و افراد و معادن تنتج الانتصار كما تنتج الانكسار و اذا كان من انصاف تاريخي لنا اننا بعد هذه الرحلة العسيرة على امتداد سنوات عجاف نلتقي مع المرزوقي و ان كنا بعيدا عنه على نفس الارضية و نتقاطع في نفس النقطة ندافع على سردية الثورة و الانتقال و نحمي مكاسبها في انتظار جولة منازلة قادمة بالصندوق الذي ضمنه اشرف دستور ديمقراطي ستعود منه بالضبط لا من غيره مسيرة الثورة و الانتقال لاستكمال اهدافها ....