تناقلت شبكات التّواصل خبر تبرّع البنك الوطني الفلاحي بمبلغ هام لخزينة الإتّحاد العام التّونسي للشّغل،ولا ندري إن كان التّبرّع هو الأوّل من نوعه أم له سوابق غير معلنة؟ وفي أوّل ردّ فعل على الخبر، قال الأمين العامّ للمنظّمة الشّغيلة، بأنّه يعتزم التّبرّع بالمبلغ المذكور لمستحقّيه،"متبرّع من تحت متبرّع"، دون توضيح لهؤلاء المستحقّين. ودون توضيح إن كان التّبرّع، وقع الإتّفاق عليه سلفا لتوجيهه إلى "مستحقّيه".فهل يحتاج الإتّحاد أصلا إلى تبرّع، سواء اخده لنفسه او تبرّع به لغيره، لأنّ خزائنه ملأى؟ وهل يحتاج البنك إلى وسيط لإيصال تبرّعه من خارج مؤسّسات الدّولة،التي هو جزء منها؟!
لسنا بصدد مناقشة تبرّع الإتّحاد من خزائنه وإيصالها بالطّريقة التي يراها مناسبة إلى مستحقّيها، بما أنّه لا علم له بمصير تبرّعات، سبق أن تبرّع بها للدّولة، كما جاء في التّعليق.
المحيّر في المسألة أنّ الإتّحاد، لا يحتاج أصلا إلى تبرّع من بنك عمومي، ليتبرّع بها بدوره "يجود علينا الخيّرون بمالهم ونحن بمال الخيّرين نجود"، والحال أنّ خزائنه ملأى بعائدات الإقتطاع الشّهري من أجور الموظفين وبإمكانه أن يتبرّع أو ينفق منها، كما يشاء،إنفاق من لا يخشى الفقر.
جدير بالذّكر أنّ البنوك ومنها البنك المذكور، عندما تمرّ بأزمة ماليّة، تتمّ رسملتها من الدّولة، أي من المال العمومي، وليس من المنظّمات، فإن كان البنك الفلاحي تبرّع دعما لخزينة الإتّحاد فهذه كارثة، لأنّ الإتّحاد، ليس معدودا من المحتاجين، ولا فضل له على البنك، ولا خوف عليه من الفقر. أليس القطاع الصّحّي أولى بالتّبرّع لمواجهة تفشّي الوباء؟ وأمّا إن كان البنك المذكور، يريد إيصال التبرّعات عن طريق الإتّحاد،لأنّه أهل لثقته أو لرفع أسهم قيادته ، فتلك كارثة أكبر!!
سلوك يترجم عن قلّة الثّقة في أجهزة الدّولة وهو جزء منها. إذ من المنطقي أن تمرّ تبرّعاته عبر مؤسّسات الدّولة (وزارة الشّؤون الإجتماعيّة، وزارة الصّحّة).وإن كان يبحث عن السّرعة وتجنّب التّعقيدات الإداريّة،فقد أخطأ وأساء التّقدير، كان بالإمكان توجيه تبرّعه مباشرة في شكل مستلزمات طبّيّة إلى الجهات التي تئنّ تحت وطأة الوباء،دونما حاجة إلى وسيط،هو نفسه، يعاني من البيروقراطيّة، فضلا عن إنشغاله هذه الأيّام بالتّمديد لنفسه، في خرق واضح لقوانين المنظّمة الشّغيلة وقواعد الدّيمقراطيّة، التي تقتضي التداول السّلمي على المسؤوليّات القياديّة.