في العادة لا أعلق على أسبار الآراء لشركة سيغما كونساي، لأنها فاقدة للمصداقية عندي، وهدفها هو توجيه الرأي العام وليس سبر آرائه. إلا أن التأكيد على هذا لا يطمئن أنصار قيس سعيد وهم يرونه يتدحرج، وكانوا بالأمس يستدلون بنفس الشركة للتدليل على شعبيته.
وعلى كل حال فإن ما يهمني من النتائج المعلنة أنها تعكس بكل تأكيد رأي الجهة التي تقف وراء سيغما كونساي. ولا أنسى هنا بأن صاحبها أي حسن الزرقوني كان قد ترأس جمعية التونسيين بالمدارس الكبرى الفرنسية ATUGE فيما بين 2005 و2008.
فإذا ما تراجع قيس سعيد، أفهم أن جهة ما ترفع يدها عنه، وكان يقيني دائما بأنها ستفعل ذلك في اللحظة المناسبة، وبالتأكيد قبل الاستحقاق الانتخابي القادم، ولما يكون ذلك اليوم فمعناه أن هناك تبدلا حاسما في الموقف منه، وإلا ما كان ليفقد في ظرف شهر واحد 11 نقطة دفعة، لينزل من 41 إلى 30 بالمائة، والأهم من ذلك هو أنه تدحرج من المرتبة الأولى إلى المرتبة الثانية. وهو ما يصيب أنصاره بالبُكم عندما يتذكرون أنه أحرز على 72.71 بالمائة من الأصوات قبل 21 شهرا فقط، وها هو ليس بعيدا عن نتيجته في الدور الأول.
لقد درج رؤساء الدول الديمقراطية أن يتوجهوا بعد انتخابهم إلى الجمهور الذي لم يصوت لهم، محاولين كسبه إلى صفهم وتقديم أنفسهم على أنهم رؤساء جميع المواطنين وأن لا فرق عندهم بين من صوت لهم أو صوت ضدهم، وهذا في منطق قيس سعيد نفاق أو كذب لا يرتكب مثله، دعنا نقول فاته تقليد الرؤساء الديمقراطيين، ولو بقي في علاقته بناخبيه عند ذلك الحد لهان الأمر، وإنما زاد بأن أطرد جانبا كبيرا منهم، تبرأ من البعض وتهجم على البعض، واستفز البعض، مقابل سماع تصفيق حاد من جمهور آخر لم يكن معه ولن يكون معه، ولكنه لم يكتف بذلك، وإنما أبدى عجزا عن التفاعل مع ما يعانيه الناس بسبب كورونا، فكان همه من خلال خطبه أن يمسك بكل السلطات، حانثا بقسمه حول احترام الدستور.
ولم يكن انتشار الوباء واستفحاله يعنيان شيئا يذكر عنده، رغم أنه هو أحد الأسباب الرئيسية في ما وصله الوضع، على الأقل باعتباره هو الذي عين رئيس حكومة فاشل، وهو الذي تسبب في أن تشتغل الحكومة بنصف أعضائها، وهو من عين شخصيا وزير الصحة الذي بقي يشتغل بالنيابة وفشل في مجابهة كورونا.
الثلاثون نقطة الباقية لقيس سعيد يمكن أن تنفد في ظرف أشهر والأكيد قبل 2024.