على اثر صدور نتائج الدورة الرئيسية لباكالوريا 2021 اكتظ الفضاء الافتراضي بالتفاعلات بين التهاني بالنجاح و التمنيات بالتوفيق لمن لم يسعفهم الحظ و تداول المعطيات الإحصائية. من بين المعطيات التي تم تداولها بكثافة توزيع الناجحين حسب الجنس و الذي يشير إلى أن نسبة الإناث قاربت 67 % في حين لم يمثل الذكور سوى 33 % من الناجحين. هذا المعطى اعتبره العديد من الأصدقاء (الحداثيين) انتصارا "لتونس الحداثة " على من يعتبرون المرأة "ناقصة عقل و دين" و لم يفت بعضهم أن يذكرنا بمآثر "الحداثة البورقيبية" و ما لها من فضل في مثل هذه النتائج.
أن تتميز الفتيات في مجال الدراسة هذا مكسب هام يجب تثمينه و دعمه و لكن القراءة السطحية للمعطيات (على الطريقة الزرقونية) قد يحجب عنا احد أهم مشاكل (إن لم نقل كوارث ) المنظومة التعليمية في تونس.
أولا : لا بد من الإشارة إلى أن توزيع الناجحين حسب الجنس يعكس إلى حد بعيد هيكلة المترشحين للباكالوريا حسب نفس المعيار. حسب معطيات وزارة التربية ترشح لامتحان الباكالوريا 146 ألف تلميذ موزعين بين 88 ألف ( أي 61 %) من الإناث و 58 ألف (أي 39 %) من الذكور . لذلك من المنطقي جدا أن تكون للفتيات النسبة الأكبر من الناجحين.
ثانيا و الأهم: المترشحون للباكالوريا هذه السنة (146 ألف ) هم نظريا من بين من كانوا مسجلين في السنة السابعة أساسي للسنة الدراسية 2014-2015 و البالغ عددهم 194 ألف تلميذ موزعين بين 105 ألف (54 %) ذكور و 89 ألف (46 %) إناث. هذا يعني أن 48 ألف تلميذ (194 -146) من بين الذين التحقوا بالتعليم الأساسي سنة 2014-2015 غادروا مقاعد الدراسة (حوالي 25 %). بالنسبة للإناث، بلغ عدد المنقطعات عن الدراسة لنفس الفترة حوالي الألف (89 -88 ) أي بنسبة لا تتجاوز 1 % وهي نسبة ضئيلة. أما بالنسبة للذكور فالوضع مغاير تماما ذلك انه من بين 105 ألف الملتحقين بالتعليم الأساسي سنة 2014-2015 ، لم يواصل سوى 58 ألف تعليمهم إلى نهاية المرحلة الثانوية، أي أن 47 ألف تلميذ غادروا مقاعد الدراسة و هو ما يعطينا نسبة انقطاع مرتفعة جدا (45 %)
ثالثا ، ما يمكن أن نستنتجه : مؤشر توزيع الناجحين في الباكالوريا حسب الجنس ( 66 % من الإناث مقابل 33 % من الذكور) هو خلاصة لمسارين متناقضين . الأول ايجابي يجب تثمينه و دعمه و ينعكس في نسبة الانقطاع المدرسي الضعيفة لدى الفتيات وهو يدل على وعي و إصرار فتيات تونس و عائلاتهم على اخذ المكانة المستحقة في مجال الدراسة و في المجتمع عموما. أما المسار الثاني فتعكسه الأعداد الهائلة السنوية من المنقطعين (الذكور) عن الدراسة وهو مسار كارثي خاصة في غياب منظومة أخرى قادرة على استيعابهم.
ختاما، الحداثوية المبتذلة و القراءة الزرقونية للمعطيات قد تخفي العديد من الكوارث : الآلاف من المنقطعين عن الدراسة (من الذكور) يشكلون خزانا هاما للجريمة و الاقتصاد الموازي و الإرهاب. المنظومة التعليمية في حاجة إلى دراسة أعمق بكثير مما تصوره بعض المؤشرات من مكاسب وهمية .