ثمة خديعة حكومية كبرى في العالم العربي منذ حكومة معاوية بن أبي سفيان اسمها "المواطن هو السبب"، وتم تطويرها اليوم إلى التعويل على خدعة "وعي المواطن"، على أساس أن الدولة ووزراؤها وأعوانها هم فريق من الكشافة المتطوعين أو جمعيات الرفق بالحيوان البشري،
والنتيجة هي أكبر حالة تسيب وسلوك همجي في تاريخ البشرية، وهذا المواطن الهمجي الذين ترونه في الصور يتحدى قوانين الحجر الصحي، هو نفسه عندما يذهب إلى سويسرا مثلا، يصبح بدقة منقالة سواتش، لا يضع الزبالة إلا في مكانها، يحترم قوانين المرور وقوانين الحياة المدينية إلى درجة التقديس فقال لي زميل تقاعد الآن: "أول مرة رميت فيها علبة سجائر في الطريق في جينيف، رأيت عشرات العيون العدوانية تلاحقني، حشمت، هزيت العلبة ووضعتها في جيبي"،
تعلم كيف يتوقف عن الكلام الفارغ والمراوغة ولغة "ويهلكني ربي كان شفتها"، أو "راني زميل" ليذهب بدقة ووضوح إلى تحمل المسؤولية، فقط لسبب وحيد: ثمة دولة تطبق القانون بصرامة شديدة على الجميع بنفس الطريقة،
الدولة العادلة في صرامتها هي التي تصنع مواطنا واعيا، أكتب هذا، متذكرا مقهى يشتغل حتى منتصف الليل في الحجر، صاحبه، "قالك كادر في الداخلية، شكون ينجم يكلمه؟"، والمقهى الآخر، قالك مولاه في البلدية، ترشح أصلا ودفع دم قلبه لكي لا يطبق عليه القانون، وأنت تقلي التعويل على وعي المواطن؟
في هذه الساعة، ثمة اجتماع في القصبة للنظر في قانون للطوارئ الصحية يمكّن الحكومة من صلاحيات كبرى أهمها "تحديد ومراقبة إقامة الأشخاص المصابين والمشتبه بإصابتهم والحد من تنقلاتهم..." ونحن ليست مشكلتنا في قوانين جديدة، بل في أننا لسنا متساوين أمام القانون منذ ما قبل الدولة الوطنية الحديثة،
أولا: الدولة لا تطبق القوانين على نفسها ولا على موظفيها،
ثانيا: الأغنياء، الواصلون ومن له يد مع الدولة لا تطبق عليهم القوانين،
ثالثا: أي مواطن مخالف للقانون يقول لك: "ما شفتني كان أنا؟" مشيرا بيده إلى عشرات المتنفذين المخالفين للقانون في كل شيء، وهذا يعيدني إلى كلمة عمرها 1440 عاما: "إنما أهلك الذين قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد"،