جاءت الدّعوة المفتوحة والإستثنائيّة إلى التلقيح يومي العيد (الأوّل والثّاني) مفاجئة وغريبة. مفاجئة ،إذلم تكن مسبوقة بحملة إعلاميّة مركّزة و بترتيبات جيّدة لتفادي اكتظاظ لم يكن متوقّعا من جهة الدّعوة. وغريبة، لأنّها لم تحدّد فئة عمريّة معيّنة لتفادي حالة الإكتظاظ، حيث نزلت بسنّ المستهدفين باللّقاح لتشمل فئة الشّباب، بداية من سنّ ثمانية عشر عاما.
بلد الفرص الضّائعة.
كان بالإمكان، أن تشكّل الدّعوة إلى التلقيح يومي العيد، فيما لو نجحت، فرصة لتبديد مخاوف المجتمع الصّحّيّة بسبب تفشّي الوباء وارتفاع معدّل الوفيّات على نحو غير مسبوق، غير أن الدّعوة الإستثنائيّة للتّلقيح، لم تكن استثنائيّة سوي في نتائجها الكارثيّة، حيث عمّقت مخاوف النّاس ودفعت بالإنسداد السّياسي إلى درجاته القصوى كما الوباء.
تبادل التّهم،سلوك لايتوقّف ولا ينتهي.
أقيل وزير الصّحّة من منصبه، ليرتفع عدد الوزارات التي تدار بالنيّابة إلى تسع، أمر لا نجد له مثيلا، لا في الدّول الإستبداديّة ولا في الدّول الدّيمقراطيّة. جاءت الإقالة بسبب ما اعتبر سلوكا شعبويّا، لايجدي نفعا في موجهة أزمة صحّيّة مستفحلة وبسبب عدم التّنسيق مع باقي أجهزة الدّولة لإنجاح الحملة.
لم يتأخّر الموقف المضاد، حيث اعتبر الأمر "تضحية بالشّعب التّونسي".. فهم (بصيغة الغائب ولا أحد يدري من هم؟) "يضحّون في الصباح، إن كانوا يضحّون، وفي المساء يضحّون بالشّعب التونسي".
سؤال، يبحث عن إجابة.
ثمّة اتّفاق عرضي من حيث الشّكل في أنّ الدّعوة إلى التّلقيح الإستثنائيّ لم تكن موفّقة ولم تكن مدروسة، ومن النّاحية المضمونيّة نجد اختلافا عميقا وحادّا في تحميل المسؤوليات بين رأسي السّلطة التّنفيذيّة. سؤال يقفز إلى الذّهن، إذا كان الوزير المقال لم ينسّق مع رأسي السّلطة التّنفيذيّة او مع أحدهما على الأقل، وهو ما يستشّف من توصيف ماجري، فهل كان قرار التّلقيح المفتوح أحاديّا من وزير الصّحّة، وهذا امر لايبدو منطقيّا ولا يتقبله العقل؟ أم أنّ الأمر، مجرّد سوء تقدير؟
هل في الأمر مؤامرة.
نحن شعب تغلبه عواطفه عند الأفراح كما في الأحزان وحتّي في تحليل الازمات ومحاولة فهمها، فكثيرا ما نفسر ما يجري بالمؤامرات الداخلية والخارجيّة، وعلى الأرجح ان فشل حملة التّلقيح عائد بالأساس إلى غياب التّنسيق بين أجهزة الدّولة بسبب حالة الإنسداد السّياسي، التي لم تعد تتحمّل المزيد من العبث. كل تأخير في الحلّ، سيدفع الشّعب والدولة أثمانه باهظا... الشّعب من صحّته وحياته والدّولة من سلامة أجهزتها وقدرتها على مواجهة الأزمات.
الشّعب ليس رقعة شطرنج.
ليست السّياسية بأيّ حال من الأحوال، استعراضا للخبرة في التّعطيل والتّعفين، وليس الشّعب رقعة شطرنج لاستعراض المهارات في الكيد للخصوم والإجهاز عليهم، ولا هو كرة، يتقاذفها المشتغلون بالسّياسة،إنّ إنقاذ أرواح البشر وزرع الأمل في نفوسهم وتبديد مخاوفهم من اتّساع دائرة انتشار العدوى، مقدّم على تسجيل الأهداف وتبادل التّهم بالتّقصير، الكلّ مقصّر ما لم يجد المواطن في صبيحة الغد تطعيما ضدّ وباء يتربّص به.