يظهر ان تعطيل سلطات الحكومة ومجلس نواب الشعب وتركيزها بين يدي رئيس الجمهورية فضلا عن رفع الحصانة عن جميع النواب والتقدم في إجراءات "الملاحقة" الفردية و الاعفاءات الوظيفية لم يكن كافيا لبلوغ الاهداف من التدابير الاستثنائية التي اقرها رئيس الجمهورية.
كما لم يكن كافيا ان يعلن رئيس الجمهورية نفسه رئيسا للنيابة العمومية في سابقة لا تجد لها مثيلا ولا اصلا من الدستور او الممارسات في العالم.
ولا يبدو كذلك أن التدرج في "ابتلاع" مابقي من مؤسسات الدولة واشخاصها سيجد له حدودا! .كما لم تعد تجدي تلك التطمينات او الآمال في وضع غامض ومفتوح على كل الاحتمالات.
ووسط هذا، من للقضاة وقد انفرد بهم الرئيس؟!
من "للجناح المكسور" او" للقريب الفقير"؟!
هل لنا أن نصدق ما يقول الرئيس وهو يستقبل المجلس الأعلى للقضاء ام علينا أن نصدق قرارات "وزير الداخلية" ؟!
البارحة في 30 جويلية الجاري ، رئيس الجمهورية يصرح لنا وللعالم : "سنحترم الإجراءات القضائية كلها ،لم يتم اعتقال اي احد الا من كانت لديه قضايا! ".
والبارحة أيضا وفي نفس اليوم يلقى احد القضاة في بيته، تحت الإقامة الجبرية، بقرار من وزير الداخلية مع معرفته بأنه قاض (لا سلطان عليه في قضائه لغير القانون)،لا يمكن جبره كغيره من المواطنين، وبانه يتمتع بحصانة قضائية لم يرفعها احد و ان اي اجراء يخصه يتم بموجب قرار معلل من المجلس الأعلى للقضاء.
وفوق ذلك فإن القاضي البشير العكرمي لم تصدر ضده اية عقوبة تأديبية او اي حكم قضائي او اي اجراء من النيابة العمومية. وهو مع ذلك على ذمة المجلس الأعلى للقضاء لاستكمال البت في أخطاء مهنية منسوبة اليه كغيره من القضاة المحالين على مجالس للتأديب .
و بقطع النظر عن إجراء الإقامة الجبرية الذي اقرت الغاءه المحكمة الإدارية في قرارات متعددة، فمن الواضح اننا نتجه الآن لا فقط إلى اعتداءات شخصية على القضاة المباشرين، بل إلى تعديات فادحة على اختصاصات المجلس الأعلى للقضاء وهو الهيكل الوحيد المتبقى من سلطات الدولة الثلاث! .
فمن يحميها من يحمينا؟!