إذا كان الرئيس اضطر لإصدار أمر بنزع الحصانة على النواب كي يتمكن من إيقافهم وتتبعهم وتنفيذ الأحكام عليهم، ولو أن ذلك غير شرعي بطبيعته، فأيّ شيء وأي سند قانوني يبرر وضعه قاضيا ( بشير العكرمي) تحت الإقامة الجبرية؟
- أي إجرام هذا المتحلل من كل المبادئ الدستورية والأصول القانونية والقيم الأخلاقية؟
- كيف يُمكن وضع قاض تحت الإقامة الجبرية وهو لا يزال متمتعا بصفته كقاض؟
- كيف يتم ذلك وهو غير مشمول حتى بالتتبع الجزائي، وإن كانت تمت إحالة ملفه على النيابة العمومية التي لم تبحث بعد في ملفه ولم تتخذ فيه أي إجراء؟
- كيف يتم ذلك وهو - بصفته تلك - يرجع بالنظر للمجلس الأعلى للقضاء الوحيد المؤهل دستوريا وقانونيا للبت في مساره المهني وفي تأديبه وفي كل ما يمكن أن يُمثل تعديا على القانون من قِبله؟
- كيف نضع قاضيا على ذمة وزير الداخلية والسلطة التنفيذية عموما في غياب أي قرار أو إجراء قضائي ضده؟
- القرار طبعا هو قرار سياسي يستند إلى ما تم ترسيخه سياسيا وإعلاميا - لكن دون حجج قوية إلى الآن أو سردية واضحة وغير قابلة للدحض - من أن العكرمي تستر على الارهاب، وهو اتهام ما انفك يدحضه في كل مرة بالأدلة المضادة لدى مؤسسات الرقابة.
- إذا كان القرار على خلفية قرار مجلس القضاء العدلي الأخير بإيقافه عن العمل وإحالة ملفه على النيابة العمومية لاتخاذ ما تراه في شأنه، فتلك فضيحة أكبر :
* القاضي المذكور واضع نفسه طواعية على ذمة مجلس القضاء العدلي والنيابة العمومية ولا يسوغ لأي جهة تنفيذية التدخل في أمره بأي وجه…
* كما أن القرار نفسه بالإيقاف عن العمل ليس قرارا في الأصل وصدر بخروقات فظيعة للقانون وفي ظروف مريبة جدا وبدوافع سياسية وخاصة وفي ظل اتهامات للتفقدية بالتدليس والافتعال، كما أنه قرار لم يحظ بأغلبية بعد تساوي الأصوات (7/7) وترجيح صوت رئيسة المجلس بما يؤكد وهن الاتهام وضعف ادلته…
* فضلا على أن لائحة القرار لم تصدر بعد ولم يبلغ بها القاضي المعني للطعن فيه لدى المحكمة الإدارية كما سبق له الطعن في قرار إزاحته من وكالة جمهورية تونس وألغت المحكمة الإدارية قرار المجلس بعد قبول كل المطاعن لانبناء القرار على خروقات جسيمة !!
- من جهة الأصل، كيف نضع تحت الإقامة الجبرية قاضيا وضع نفسه منذ مدة على ذمة مجلس القضاء العدلي وهو بصدد الدفاع عن نفسه بالحجج والأدلة من الاتهامات الموجهة اليه إعلاميا وسياسيا منذ سنوات ولم يهرب ولم يختبئ ولم يتحصّن بشيء سوى بِصمته ودفوعاته القانونية وقدم تقاريره وردوده وحضر الجلسات ورافع وطالب بسماع شهوده وإجراء المكافحات وبنشر جوابه وبرفع واجب التحفظ عنه للخروج الإعلامي…
- كيف نضع تحت الإقامة الجبرية القاضي ووكيل الجمهورية الذي - بخلاف تصديه للتعذيب وتعسف البوليس - بحث وكشف تفاصيل أحد أكبر ملفات الفساد وهو ملف الرئيس الأول لمحكمة التعقيب في علاقة بقرارات النقض بدون إحالة التي تهمّ رجال أعمال ومدارها مئات المليارات من الخطايا الديوانية والديون الجبائية...مكافحة الفساد العنوان الذي بسببه فعّل الرئيس الفصل 80 وأمر 1978 المتعلق بحالة الطوارئ !!
القضاة لا يوضعون تحت الإقامة الجبرية!
القضاة المتورطون يحالون على القضاء بعد استيفاء موجبات تتبعهم القانونية والإجرائية، القضاة هم تحديدا من سيبُتّون لاحقا وطبق الضمانات القانونية في وضعية الأشخاص الموضوعين تحت الإقامة الجبرية والذين يُمثلون خطرا على الأمن العام كما ينص أمر 1978! وهم الموكول إليهم من جهة مقابلة البت في تجاوزات مُصدري قرارات الإقامة الجبرية والدافعين نحوها ظلما ومنفذيها تعسّفا وذلك حمايةً للحقوق والحريات بمناسبة مراقبة حسن تطبيق أمر الطوارئ المذكور والإجراءات الاستثنائية المنصوص عليها بالفصل 80…
إن وضع قاض تحت الإقامة الجبرية مهما تعلقت به من تتبعات - وهي إلى الآن غير موجودة - ومن اتهامات ومن شيطنة هو بمثابة وضع السلطة القضائية برُمّتها تحت سطوة وزير الداخلية، وهو وضع الدستور والقانون تحت حذاء السلطة التنفيذية، هو بمثابة إرسال رسالة للناس مع ترسيخ الصورة بأن من يحكم راهنا هو "اللاقانون"، هو البوليس العامل تحت إمرة الرئيس وبحرص منه، وأن البوليس يُحكم قبضته حتى على القضاء الذي يُفكر أن يشتكي إليه الناس، والذي من المفروض أن يراقب البوليس زمن التجاوزات والانتهاكات…
لا يبدو أن لهذا الانقلاب حدود في التعسف والقهر والتعدي على الدستور والقانون، وها نحن نشهد بأعيننا وبالتفصيل المُملّ فصول انقلاب على الثورة والديمقراطية وحتى الدولة...درس تطبيقي لا يقوى عليه أكبر أساتذة القانون ولا أفظع التجارب الديكتاتورية…
قضاؤكم ودولتكم وحقوقكم وحرياتكم هي الآن تحت الإقامة الجبرية…
فمن سيُخلّص البلاد؟