توه، حتى كان أش مدخلني في اختصاصات السيد الرئيس، لكني بحكم مهنة الصحافة منذ أكثر من ثلاثين عاما، عشت أكثر من 60 أزمة بطاطا فصلية مرتين في العام، نصفها في مثل هذا الوقت وأعرف أن أهم سر في أسعار المنتوجات الفلاحية عامة هو تسلط مافيا السمسرة والتوريد التي طالما كتبت عنها لقتل البذور المحلية وتعويضها بالبذور الصناعية التي لا تدفع ثمنها الحقيقي عند شرائها،
بل حين تكتشف حاجتها إلى أدوية فاحشة الثمن بعد زراعتها بسبب هشاشتها تجاه المناخ المحلي ونوعية التربة، ثم عدم قابليتها للزراعة مرة أخرى حيث لابد من شراء "الفحل" كل مرة بما يضاعف كلفة الإنتاج في النهاية، لكن المشكل ليس هناك، بل في الاقتصاد الريعي الاحتكاري الذي يجعل ترخيص التوريد والإنتاج بأيدي عدد محدود يمكنهم التنكيل بكل من يفكر في كسر السوق،
بما أن حكاية تجبد أخرى، فأنا أذكر جدي من جهة أمي في سنوات السبعين وهو يختار بذور أفضل دلاعة مما نزرعه نحن الصغار بعلي في سواني سركونة لكي يمتصها جيدا في فمه ثم يخفيها في كاغظ للموسم الموالي، وأذكر أنه سمح لي في 1976 وعمري 11 عاما بحمل بندقيته التي ورثها عن أبيه في هربهم من جيملة جيجل القبايلة في الجزائر بعد أن خسروا حرب 1871 ضد فرنسا، لحراسة الدلاع والبطيخ من الثعالب، ولم يكن لنا من رصيد بذور سوى ما يحتفظ به جدي، كما في كل عائلة، ولم تكن تلك البذور تحتاج لكي تعطينا أفضل دلاع أو بطيخ في تاريخ البشرية إلى دواء أو علاج غير ثلاثة أو أربعة مرات من السقي بالطاسة بعد البذر وكنا متأكدين أنها تتأقلم مع الجفاف والرياح والخوف،
وبعد أكثر من أربعين عاما، أستطيع أن أقول للسيد الرئيس اليوم إنه لا أحد سيبيع البطاطا بخمس مائة مليم إلا إذا كان ذاهبا إلى السجن، وأنه من المهم أن يجلس مع الخبراء الذين جلسنا مع أجيال متتالية منهم، كلهم أجمعوا على وجوب رفع قيود احتكار المافيا في قطاع الفلاحة في تونس، سواء عدنا إلى بذورنا الأصلية أم اخترنا البذور المحورة جينيا، وأن الدولة دفعت ماء عينيها من ضرائبنا لبناء مخازن التبريد فإذا هي تتحول إلى مخازن مضاربة، تجعلنا نأكل بطاطا لا يمكن أن يأكلها حتى البقر مقابل دينار و800 مليم،
حسنا، سيدي الرئيس، أنت لست مختصا في البطاطا وفي شبكات الإنتاج أو التوزيع، ولست مطالبا بذلك، حتى رئيس أية حكومة لا يمكن أن يعرف ذلك، لذلك خلقت الديموقراطية الحديثة الفصل بين السلط،