فيما يتعلق بالمواقف الدولية الضاغطة والمؤثرة إزاء ما وقع لدينا يبدو أن الموقف الفرنسي كان بمثابة "الضوء الأخضر" المطمئن (انده وخوذ راحتك)، أما الموقف الأمريكي فهو أقرب إلى "الضوء البرتقالي" التحذيري (ازرب وردّ بالك)،
ولكن لا أحد من الموقفين، رغم التنافس المعلن والصراع الخفي بينهما، يمكن اعتباره في مستوى "الضوء الأحمر" الزاجر (آقف وين ماشي) الذي لا ينبغي أن يكون، مهما بلغت فداحة ما وقع عندنا، إلا شعبيا ومفروضا من واقع موازين القوى السياسية والمدنية الداخلية وتطلعاتها وانتظاراتها وحساباتها، وهذا لم يحدث محليا، إذ قبلنا بإرادتنا الأغلبية، حسبما يظهر من نبض الشارع على الأقل، تجاوز بل خرق الإطار الدستوري القائم مما يستدعي مراجعة عقدنا المجتمعي في أقرب وقت ممكن مع المحافظة على المنجز الوحيد الذي تحقق في العقد الفارط وقد تمحور حول الحريات وعلى رأسها حرية التعبير والإعلام.
وفي كل الحالات علينا أن نتمسك جميعا بالوحدة والسيادة الوطنية رافضين، بكل انسجام ومن دون انفصام، أي تدخل أجنبي لم ينتظر في الحقيقة يوم "25 يوليو" ليغمزنا ويبتسم لنا أو يدفعنا أو يكشر عن أنيابه الامبريالية وإنما استغل قبل ذلك كسلنا وتهارشنا وفسادنا وإفلاسنا ليعيدنا مع الأسف إلى ما يشبه مرحلة "الكوميسيون المالي" الذي نعلم كيف أفرز في الأخير فوز أحد لاعبيه الاستعماريين الكبار بورقة "الحماية".
والأرجح أن الفائز بها هذه المرة أيضا هو نفس اللاعب القديم الذي تحرك بكل رشاقة تآمرية قاتلة في المدة الأخيرة بالعديد من مستعمراته القديمة (هايتي، مدغشقر، مالي...) وهنا بمساعدة وتشجيع بعضنا المرتبط به وبمحوره الإقليمي الجديد...هذا إذا لم تكن "بنت بريطانيا العظمى"، التي توصف عن حق بالطاعون، أكثر طمعا واستحواذا واحتكارا وعدوانية من أمّها، باسم قيادة "الحلف الأطلسي"، وهي كذلك منذ منتصف القرن الماضي إلى اليوم رغم بداية التراجع والانحسار والانخرام.