على المؤمنين بمبادئ الثورة وأوّلها القطيعة التّامة والشاملة مع منظومتي الاستبداد والفساد، والتأسيس لديمقراطية أصيلة تقوم على الدستور وعلى المؤسّسات وتحمي الحرّيات وتضمن العدالة وتبني التنمية الشاملة والعادلة... وتحقّق السيادة والاستقلال...
على هؤلاء التفكير والعمل... العمل... العمل على بناء بديل أو بدائل تكون أيضا في قطيعة تامّة مع تجربة الأحزاب والنخب طيلة العشر سنوات المنصرمة... تلك التجربة التي أعطت للشعب صورة قاتمة عن الديمقراطية، واختُزلت هذه الأخيرة في صراعات سياسيّة يومية على اكتساب المواقع... وتداخلت في هذه الصراعات المصالح الحزبيّة والذاتية... حتّى باتت صورة المشهد الحزبي صورة فئة من "محترفي" السياسة وهم في انبتات تامّ عن الواقع... لا عهد ولا ميثاق لهم... همّهم الوصول إلى السلطة والبقاء فيها مهما كلّفهم ذلك...
وقد "نجحوا" بذلك في تمهيد الطريق لمشروع شعبوي خطير... ربّما هو الأخطر خلال العقود الستّة الأخيرة... إذْ أنّه تغذّى من رداءة مشهد حزبي بائس... خطورته تكمن في ربط صورة الديمقراطية بالانهيار الشامل للبلاد، وبأنّ الأفضل لمثل شعبنا هي سلطة الفرد... ونعلم جيّدا أين تنتهي هذه السلطة…
المشهد السياسي التونسي كان متجّها بطبعه إلى السقوط... وقيس سعيّد استشرف قبل سنوات هذا السقوط وراهن عليه واستثمر فيه... ونجح في 25 جويلية في قطف ثمرة متهاوية…
على المؤمنين بمبادئ الثورة تخيّل بدائل القطيعة الثنائية الأبعاد... قطيعة مع المشهد الحزبي لما قبل 25 جويلية ومع الشعبويّة الزاحفة منذ ذلك اليوم... إنّها لمهمّة صعبة... ولكنها لن تصعب على الأحرار وعلى المؤمنين بالثورة.