عبارة تتردّد على ألسنة الغوغاء لتبرير الانقلاب على الدّستور وتعليقه بمقتضى الأمر الواقع أو الإجراءات المرتقبة لصياغة دستور هجين يجسّد أوهاما تعشّش في رؤوس بعض المؤدلجين قصيري النّظر وضيّقي الأفق ،
المثير في نسبة الدّستور " للخوانجيّة والمقصود حزب النّهضة " هو نسبة شرف لمن لا يستحقّه ، فشرف النّهضويين المؤسّسين هو المشاركة في صياغة الدّستور والانخراط في مسار تفاوضي للتّوافق على صياغة مشتركة جامعة تعبّر عن ضمير كلّ مكونات المجلس التّأسيسي والمكوّنات الوطنيّة التي شاركت في صياغته.
لم يكن دستور طرف بعينه، بل كان دستور الإجماع ، لكنّ الغوغاء ومزوّري التّاريخ يريدون أن يسوّقوا كذبا وبهتانا خلاف ذلك ، يعتّمون على تركيبة متعدّدة للمجلس التّأسيسي كانت تضمّ أقطاب النّضال ضدّ الاستبداد بكلّ اتّجاهاتهم الفكريّة والسياسيّة وانتماءاتهم الفئويّة والجهويّة والطبقيّة ،
يريدون اختزاله في هذا العضو أو ذاك من باب الوصم والتّقزيم بتواطؤ مريب من بعض من ساهموا هم أنفسهم في مداولاته وصياغة فصوله،
بعد أن أثنى عليه الجميع واحتفوا بالمصادقة عليه واعتبروه أفضل دستور ينصّص على الحكم الدّيمقراطي والحقوق والحريّات والتّميز الإيجابي للمناطق المحرومة ويرسي المؤسّسات الدّستوريّة أصبح دستور الإخوان ، عمليّة احتيال على التّاريخ الذي لا يزال راهنا ولا يزال صنّاعه والشّاهدون عليه أحياء يرزقون.
يعتبرون أنّ عدم تفعيل عدد من فصول الدّستور أو سوء تطبيقها مسوّغ للانقلاب عليه ومدعاة لتعليقه وصياغة بديل عنه، وهذا ضرب من العبث الذي ينزّه عنه العقلاء ، فلا وجود لمنظومة سياسيّة مطابقة لدستورها من تلقاء نفسها، إدارة الشّأن العامّ بمقتضى الدّستور هي عمليّة دفع تحصين متواصل لتحقيق تلك المطابقة التي تبقى نسبيّة ومحكومة بموازين القوى السياسيّة والمجتمعيّة والوعي العامّ.
انحدار الوعي بقيمة منجز الدّستور يخصّ فئة محدودة، ولكنها تحاول بشكل محموم التّسويق له وتبريره بخطاب شعبويّ عاطفيّ سطحيّ إيهاميّ يزيّف العقول ويلبس على النّاس ويؤجّج مشاعرهم،
ستبقى هذه المرحلة الاستثنائيّة بكلّ ما سينجرّ عنها قوسا معتما في مسار الثّورة والانتقال الدّيمقراطي الذي لن يوقفه هذا العبث بحاضر البلد ومستقبله.