اهم الرسائل التي نجحت المناورات السياسية واذرعها الاعلامية في ترسيخها لدى العامة -كما يبدو- طيلة السنوات الاخيرة وتصاعدت وتيرتها مؤخرا: - "الدولة على وشك الانهيار"، وهذا غير صحيح. إذ يتضمّن مفهوما معمما للدولة ويعمّق الفتور بينها وبين المواطن.
- "الاقتصاد على وشك الانهيار"، وهذا غير صحيح، لان الاقتصاد ليس ميزانية الدولة، بل هو كذلك قطاعات ومؤسسات وعلاقات مع الخارج ومبادرات فردية وسياسات وحلول. يمرّ بأزمة خانقة، لكن كان من الاجدر التسريع بالحلول عوض اضاعة الوقت في وصفة في اغلب الاحيان من غرباء عن الاقتصاد ومن بعض السياسيين الانتهازيين في اهدافهم لانتقاد الخصوم.
وكلمة انهيار، لا تذكرني الا بما وقع في كبرى الازمات المعروفة في التاريخ. على كل حال، اذا بقيت الامور على ما هي عليه الان، فانّ الحلول ستنعدم وهامش المناورة كذلك. وحينها ينهار الاقتصاد، اي انه يصبح يتوالد بطريقة غير مماثلة في الاجل القصير مع استحالة التنبؤ بمصيره.
- "كل البلاد تحت قبضة الفساد"، وهذا غير صحيح بهذا الشكل. فقد تكون قضية الريع غير المشروع اقتصاديًا والمقبول قانونيا اهم ركن في الفساد، ولكن هناك من هو غير فاسد، وهناك من يستحيل البرهنة على فساده،…، وهناك الوطني، وليس كل المواطنين فاسدين.
- السبب في كل البلاوي هو "البرلمان"، وهذا غير صحيح بهذا الشكل، لان هذا الحكم قائم اكثر على الانطباع والعنف المروّج له في الاعلام وسفسطة بعض الاصوات المكتسبة حلّة "العلم"، بدون النظر الى اسباب اخرى منها الاعلام واصحاب المصلحة من مجموعات ضغط، وعدم تعزيز مؤسسات الدولة القائمة على الشأن العام الاجتماعي والاقتصادي، وهو امر دائم التهديد حتى ولو كان البرلمانيون ملائكة، وليس فيهم من في اجندته البحث عن الاصوات في الانتخابات القادمة…
- "كل الطبقة السياسية فاسدة"، وهذا تعميم لا يستسيغه الا كسول الذهن لأنه لا فقط فاقد لمناهج التقييم العلمية وانما كذلك مبن على المنطق الشكلي والسيلوجيسم دقيق الاستعمال : "كل انسان ميت، وسقراط انسان، اذن سقراط ميت". وهذا الفخً المنهجي في استعمال هذا المنطق يُسمى "الدغمائية"، اي اعتبار فرضية البداية كحقيقة مطلقة وفرضها على الاخرين.
- "الحل الوحيد في كل هذا هو تغيير نمط الحكم بدستور جديد". قد يكون ذلك مفيدا في المطلق، لكن لا يعني انه الحل الوحيد. وهذا منزلق طويل الامد، قد يكلف التونسيين الكثير.
الوضع متأزم، ولكن ليس بهذه القتامة.