الملاحظ انّ الداعمين المُعلنين لقيس سعيد همْ من مشارب اجتماعية وسياسية وحتى اخلاقية مختلفة. وكذلك هناك من "المتعلمين" وخاصة من الطبقة المتوسطة، وان حافظت على ملامحها منذ عقود، فإنها كانت كذلك اداةً وظيفيةً بيد مختلف الحُكّام في تونس (يحتاج الى تفصيل). فهي التي يتمّ من خلالها تعديل التشوهات الاقتصادية، وتجميع الموارد للميزانية العامة وتحقيق اهداف السياسات الثقافية والتعليمية وبالتالي صناعة الشخصية المستهدفة وكذلك محاربة الخصوم السياسيين.
وفي هذا السياق القائم على الملاحظة، يمكن الوقوف عند الاتي:
- اذا تجمّع اناسٌ عديدون من مختلفة المشارب حول امر ما فان ذلك ايجابيٌّ. وبقدر ما تعلّقوا بهذا الامر بقدر ما لامس تجمُّعهم حدَّ القداسة، لان الأصول الايتيمولوجية لكلمة "مقدس"، تعني "الذي يجمّع" وبالتالي له الاولوية المطلقة.
-هناك من الداعمين لقيس سعيد جرّاء الخيبة التي تملّكتهم من اداء النخب السياسية.، ويرون فيه الرجل المنقذ الذي طال ما انتظروه. جزء منهم ثبتوا علاقتهم بالدولة من حيث مصلحتهم المباشرة والخدمات التي تقدمها الدولة لهم بدون الانتقال من موقع المتأمل الى موقع الفاعل. هؤلاء، لا اعتقد انّ ولاءهم غير رجعي، بل ينتهي بعدم تلبية حاجياتهم، مثلما ذهب اليه جون جاك روسو-مستلهما من الادبيات القديمة- حيث الدولة في مقام الاب والشعب في مقام الابن الذي ينتفع بالرعاية منه مقابل الطاعة له، ثم ينتفض عليه عندما يكبر ولا تدوم حاجته به.
- وهناك من الداعمين لقيس سعيد لانهم يرون فيه "الدولة مجسدة في شخصه"، على امل انه سيُرجع لها هيبتها وسيادتها وبريقها. هؤلاء، على حسن نية، دافعهم الاساسي هو وطنيتهم، وهم لا يعطون صكا على بياض، لكنهم يمكن ان يسحبوا هذا الامل اذا طالتهم "التكلفة الجانبية" في مشروعه ذي الاجراءات المفاجئة.
- وهناك من الداعمين من تدفعهم الاعتبارات الايديولوجية والسياسوية، بحيث تأخذهم السفسطة للتخلي عمّا كان يُعتبر عندهم خطوطا حمراء مثل المساواة في الميراث التي لا يؤمن بها قيس سعيد، وكذلك الجندرة واشهار المثلية في الفضاء العام وغيرها من الحدود… هؤلاء فقدوا مصداقيتهم قبل ان يفقد قيس سعيد شرعيته في صورة ما اذا استحال امامه تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد والريع في وقت معقول.
- وهناك كذلك من يدعمه بحماس مستفيض الى حد التجاوزات الاخلاقية وهتك الاعراض في الفضاء العام.
هؤلاء شباب كله طاقة وحياة، ضاقت به السبل فوجد سياقًا ملائمًا ليصدع بما ولج في صدره من خوالج، قد تفقد رحيقها في عمر الزهور.