من قال أنّ ديمقراطية تونس قد ماتت و أنّ حرّيتها تحتضر و أنّ مؤسّساتها المدنية قد أغلقت بالشّمع الأحمر ؟ بالأمس فقط في سابقة فريدة كان رئيس دولتها المنتخب في جلسة مساءلة مع برلمانيين و كان يرافع عن نفسه و يدفع بالتّهم الموجّة إليه، ألم تشاهدوا ذلك بأمّ أعينكم ؟
وقف كمتّهم لا يحتاج للسان دفاع و هو الخبير بالقانون و العالم بخفايا الدستور و قد حفظه عن ظهر قلب، بل شربه و أكله أكلا و لم يبق فيه شيئا!
البارحة كان قليل التشنّج و لم يرفع صوته كالعادة و لم يلوّح بسبّابته أو بقبضته كما كان دوما يفعل و لم يستعمل صواريخه و لا رصاصاته و لا مبيداته الكيمياوية و استرسل في مرافعته دون انقطاع و بقليل من التعثّر و لأوّل مرّة بشيء من الوضوح.
البارحة كنّا أمام مشهد طالب يقدّم أطروحته أمام لجنة تحكيم و قد سعى لحشوها بكلّ ما يعرف مع عبارات اطراء و غزل لأعضاء اللّجنة الّتي ستقرّر مصيره .
ليس مهمّا أن يكون البرلمانيون أعضاء الكونغرس الأمريكي فنحن نعيش في عالم تحوّل الى قرية صغيرة و برلمانهم يكفينا برلماننا المغلق بدبّابة !
ليس مهمّا أن تكون طائرة كبيرهم السناتور مورفي قد قدمت مباشرة من مطار بن غريون في رحلة مباشرة إلى قرطاج،فالتطبيع خيانة عظمى قيلت ذات يوم و قد حقّقت أهدافها و تمّ الضحك بها على ذقون البسطاء أمّا الآن فالظرف غير الظرف و لكلّ مقام مقال!
صدقت غولدا مائير حينما قالت:" سيكتشف العرب ذات يوم أنّنا قد أوصلنا أبناء اسرائيل الى حكم بلادهم!"
كان سيادة الرّئيس الّذي يتحدّث عن السّيادة و نيابة عمّن اغاضهم هتك سيادتنا ممّن يغتصبونها ليلا نهارا يفسّر للوفد الضيف معنى السّيادة و هو يلوكها كقطعة شينغوم و يستجدي بها بعض الفتات.
كان يرافع عن نفسه و يستبله في الحضور و هم يعلمون عنه ما يأكل و ما يشرب وما تحت سرير نومه، استعراضات معرفية بإمكان أيّ كان أن يمدّه بها الشيخ ڨوڨل و تسطيح و تمويه و تركيز على أنّه هو الشعب و هو من يمثّله و هو الحريص على مصلحته و كلّ شعب أدرى بمصلحته، حتّى أنّه استغرب كيف لم يسمع سكان واشنطن بتصفيق أهل افريقيا و أصوات مزاميرها احتفاء بظهور المخلّص الملهم المنقذ!
صاحب الفخامة و السيادة من رفض حوار أبناء شعبه و خاطبهم باستعلاء و شيطن مخالفيه في الرأي ،استغلّ اللقاء مع ضيوف بلاد العم سام لمزيد شيطنتهم و لنشر غسيل ملابسنا الداخلية المتّسخ و قد حرص على أن يؤكّد لهم على أن لا يستمعوا إلّا اليه فلا قول إلّا ما قاله و أنّ ما يقع تداوله هي اشاعات و مغالطات و فعل أشرار، و كأنّ الأمريكيين لا يمتلكون مؤسسات و اجهزة رصد و مخابرات و هي من تعجن في مخبزها الطّغاة ، و كأنّه هو بالذّات ليس صنيعتها !
واهم من يعتقد أنّ قوى الاستعلاء العالمي ستأتي له بخير فلا همّ لهم سوى مصالحهم و أوهم منه من الطّغاة من يعتقد بأنّها ستحمي له مؤخّرته و هم كمن ينتظرون عسلا من مؤخّرات الدبابير.
فما حكّ جلدك مثل ظفرك و لا يغيّر اللّه ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم.