إيقاف المحامي الأستاذ المهدي زقروبة في السجن على ذمة القضاء العسكري "حكاية حولة" تماما من حيث الإجراءات الجزائية ودرس في ما لا يجب فعله إجرائيا بقطع النظر عن خلفياتها المشينة، ويمكن لأي هيئة قضائية أن تفتقها من بعضها وتقضي ببطلان الإجراءات بقطع النظر عن التهمة المثيرة للسخرية اعتمادا على الفصلين 46 و47 من المرسوم عدد 79/2011، خصوصا وأن القضاء الأصلي كان متعهدا بها ولم يقض بالتخلي عنها لعدم الاختصاص مما يجعل إجراءات المحكمة العسكرية باطلة من حيث الشكل.
الباقي أن الحادثة تمثل سابقة خطيرة في العدالة لم تحدث حتى في أحلك الأزمنة، وهي فضيحة حقوقية أيضا بدأت بقرار سري غير رسمي بالقبض عليه لم يتم فيه احترام الإجراءات القانونية مما جعله يبدو مثل قرار أمن مواز نعرف جميعا خلفياته التي تمت منتصف الليل في الغرف المظلمة كما يقول السيد الرئيس، وهو ما اضطره إلى الاحتماء بالهيكل القانوني الرسمي في مقر عمادة المحاماة وسط محاصرة أمنية خطيرة تذكرنا باقتحام مكاتب القضاة في محكمة بن عروس في فيفري 2018،
وبما أن اقتحام حرم عمادة المحامين بمحكمة تونس خارج قرار القضاء عمل متهور جدا، فقد تفاوض معه الجماعة لامتصاص الغضب السطحي لبعض المحامين على أساس الانتقام منه بعد ذلك لكن بعضهم حاول ولم ينجح وقيل له: "يزي عاد، لحم المحامين مرّ"، لأن الأستاذ المهدي زقروبة كان بصدد ممارسة مهنة المحاماة وفق القانون عدد 5/2016 الخاص بحضور المحامي مع منوبه أثناء الإجراءات الأمنية، بعد أن اعتقدنا أننا قطعنا أشواطا طيبة في حماية الحقوق البشرية، هذا من جهة،
ثم إن ثمة من يريدنا أن ننسى، أنه بقطع النظر عن مهنة ودور الأستاذ زقروبة، أن السجن قرار استثنائي خطير يهدف إلى منع المشتبه به من الفرار أو التأثير على سير التحقيق لا يجب أن يمارس دون رقابة ولا مبررات من أجل إنهاء عقلية ارمه في السجن، كان ما عمل شيء، توه يروح، وهو لا يتوفر في حالة الأستاذ زقروبة المحامي والذي يتخذ مكتبه قانونيا عنوانا للمراسلات القانونية وله ضمانة مكتبه ومقر عمله وصفته التي هي جزء ضروري من الإجراءات القضائية،
عمليا، واقعيا: ماذا اقترف الاستاذ المهدي زقروبة المحامي؟ أعلمته منوبته بتعرضها للمنع من حق من حقوقها المنصوص عليه بالدستور دون قرار قضائي، ذهب إليها لمراقبة مدى احترام الإدارة للإجراءات المتعلقة بحقوقها بصفتها مواطنة تونسية، حدثت فوضى؟ تبادل للعنف؟ الاعتداء على موظفين أثناء أدائهم لمهمتم؟ هناك صيغ قانونية للدعوى، من تعرض للعنف يذهب إلى وكيل الجمهورية ليعطيه تسخيرا طبيا في إثبات العنف.
الغريب أن كل ما إدعاه الجماعة ضد المرأة كان زائفا، لم يكن هناك أي مبرر قانوني ولا حتى أخلاقي ولا ثقافي لمنعها من السفر، فسافرت وبقيت لنا الفضيحة، لكن المحير: ما علاقة المحكمة العسكرية بالحادثة؟ من حرق شعيرهم؟ وإذا كان لهم شعير احترق في الحادثة، لماذا قفزوا على القضية بعد أسابيع من حدوثها؟ لماذا لم يطلبوا إجرائيا من القضاء العادي التخلي عن الدعوى العمومية مع تقديم حيثيات وجيهة لهذا الطلب الخطير وهو إحالة محام في إطار عمله على القضاء العسكري؟
إن التفسير الوحيد، هو احتمال إحالتنا جميعا، بصفتنا مواطنين مدنيين وأولهم أنا بسبب هذا المقال، على القضاء العسكري تحت الشعار التقليدي في تونس "ما تخافش: كان ما عملت شيء، توه تروح"، ولكي أصلح أموري مع القضاء العسكري، فإن عسكريا في مدينة الكاف كان يتشاجر مع جاره بسبب عراك الأطفال والنساء، حتى تعاركا وتلاطخا وتبادلا العنف يوما، قال العسكري لجاره: "والله نعديها لك عسكرية وتباصي"، واتهمه أمام النيابة العسكرية لمحكمة الكاف أنه شتم الجيش الوطني ومجد الإرهاب حتى، الجميل أن النيابة العسكرية رفضت الدعوى وأحالتهما إلى القضاء الأصلي، فقضى بخطية لكليهما بتهمة تبادل العنف الخفيف، هذا من باب التفاؤل وترطيب السيرة في العلاقة مع شيء قد يصبح مخيفا، والله أعلم بالنوايا.