إن تزييف نتائج انتخابات أو استفتاءات معينة لا يكون فقط في المراحل المتقدمة من هذه العملية، باستبدال أوراق الناخبين بأخرى أو ما شابه ذلك من طرق التزييف، بل إن أكبر عملية احتيال وتزييف لإرادة الشعب تقع قبل ذلك بكثير، من خلال المناخ السياسي والأمني العام المكرس من قبل من بيده السلطة.
إن تجميع السلط بيد الرئيس والاستقواء على ذلك بالمؤسستين العسكرية (ومحاكمها التي يعرض أمامها مدنيون معارضون) والأمنية التي تنفذ تحديدات للحريات الشخصية والعامة في السفر والتظاهر وحرية التعبير بمجرد تلقي تعليمات شفوية لا سند قانوني ولا إداري رسمي كتابي لها، وشيطنة المختلفين عن الرئيس ونعتهم من طرفه ومن طرف أتباعه بالمجرمين والخونة والجراثيم والفيروسات،
والسماح للإعلام العمومي بمزيد الانحراف بعيدا عن رسالته الإعلامية ليصبح واحدا من جوقات التطبيل لخيار الرئيس على حساب باقي القوى السياسية والمدنية وجهازا من الأجهزة الرسمية للإيديولوجيا الشخصية للرئيس ولصديقه الفوضوي رضا لينين، وغلق مؤسسة البرلمان التي يدار فيها النقاش المؤسسي التشريعي الرسمي بالقوة العسكرية واحتكار المساحة التواصلية والميدانية الأكبر بقانون الطوارئ والتدابير الاستثانية المفتوحة إلى إشعار آخر، والتمتع بالقدرة المطلقة على التشريع وتغيير الواقع بقوة الدولة، وسلب وجهة النظر المختلفة إمكانية التمتع القانوني بزخم مماثل في الحضور في المشهد السياسي والفضاء العام ومؤسسات الدولة مع غياب ضمان حيادية المؤسستين العسكرية والأمنية،
كل هذا يخلق حالة اختلال عظمى في حظوظ إقناع الرأي العام بوجهة نظر معينة في مقابل وجهة نظر أخرى ويتحول الإقناع إلى استبطان حالة من عقلية الجموع والقطيع الذي يساق إلى حيث يظن أنه سيظفر بالعلف الوفير والماء النمير، خوفا وطمعا.
فيكون ما قام به قيس سعيد من تدابير استثنائية وما رافقها من خطابات مشيطنة للمختلفين ومن ممارسات مرعبة للمعارضين عملية تزوير ممنهجة لإرادة الناخبين قبل عملية الاستفتاء المزمع إجراءها. ولذا فهي علاوة على بطلانها الدستوري لمخالفتها الصريحة للفصلين 143 و144 من الدستور، فهي باطلة بقانون الانتخابات والاستفتاءات وباطلة بالقانون الأخلاقي الذي يفترض العدالة والإنصاف والنزاهة.