بعد خمسين يوما من" الإجراءات الإستثنائيّة" ، التي نالت من حقوق الناس وحرّياتهم وأوقفت حال البلاد، أكثر مما كانت عليه ولم تفلح في تحقيق أيّ من الأهداف التي رافقتها، لا حكومة، لا محاسبة(لم نر فاسدا واحدا رهن الإعتقال) ، ولا إجابة على السّؤال الذي يسأله كثيرون"إلي أين تسير البلاد"؟
بعد كل ذلك كان لابدّ ان يخرج أنصار الحرية في وقفة رمزية دون تحشيد ودون تحزيب، للتعبير عن رفضهم لما حصل ولما سيحصل إن تواصلت البهتة والصّمت، لقد باتت سياسة إرخاء الحبل تفهم علي أنّ غالبية الشعب مع الإجراءات الإستثنائيّة ومع أهدافها المعلنة وغير المعلنة.
جاءت الوقفة الاحتجاجية الرّمزيّة تعبيرا صريحا عن رفض المساس بالدّستور الذي حظي بموافقة 200 نائب من أصل 217 وعن رفض دعوات العودة إلى دستور قديم(دستور 59)،لم يفض في زمانه إلا إلى بناء دولة البطش بالحقوق والحرّيّات. وتعبيرا عن رفض المرور بالقوّة إلى تبديل النظام السياسي تحت مسمى "الشعب يريد". وتلك مغالطة أخرى لأحداث اليوم الحزين، كيف لنا قياس الاغلبية؟ هل بالاعتماد على سبر آراء الزرڨوني؟ ام بتهريج "الطبابلية والزّكاكريّة " الكبار والصّغار ؟أم بفتاوى كهنة القانون الدستور، بحثا عن مكان في سلطة جديدة وانتقاما من ثورة لم يخفوا عداءهم لها منذ البداية؟
ربّ ضارة نافعة... الذين اشتغلوا على ترذيل الثورة ومناخ الحريات من أجل الوصول إلى تجميد نشاط البرلمان كخطوة أولى، ثمّ الإشتغال على ترذيل الدستور على طريق تطبيق برنامج لا يحظي بإجماع التونسيين" النظام المجالسي".هؤلاء من حيث لا يدرون أوجدوا الفرصة لإحياء جذوة الثورة، بعد أن خلناها انطفات بفعل موجات التّرذيل، واعادت إلى الواجهة قيم الثورة في الحرية والتّحرر وعدم المساومة على الحرية وأنّ قوس الثورة عصيّ على الإغلاق، مهما كان مكر رعاة الثورة المضادّة.
شارع الثورة استعاد اليوم وهج الثورة وعنفوانها في وجه من يريدون استئئصالها وتصفية مكاسبها في الحريّة، هتفت الحناجر للحرّية...فالحرّية مازالت ممكنة، ولن يقيل الناس أن يتحوّل حديثهم في الشأن العام إلى همس كما كان في الاستبداد الأوّل...العصفور غادر القفص بفضل ثورة الحرّيّة والكرامة ودماء شهادائها ولن ترجعه القوّة الغاشمة، ما بقي في هذه البلاد للحرّية أنصار، يقدّرون أن لا عوض للحرّية عند فقدها.